العدد 1229 - الإثنين 16 يناير 2006م الموافق 16 ذي الحجة 1426هـ

«الزار» إضافة لابن حربان في حقل الثقافة الشعبية

عالم يتيح للنشوة مكاناً وزماناً لا حدود لهما

«الزار ­ بمفهومه البسيط ­ لا يتعدى كونه علاجا لحالات مرضية ترضي من يزور ذلك الجسد وتمنعه من الاضرار به وبشتى الطرق المتاحة لدى القائمين على تلك الطقوس. ولكنها في الوقت نفسه إخراج ما هو مكبوت من أحاسيس ومشاعر دفينة تستوقظها أمور ترضي وتشبع تلك الأحاسيس والمشاعر وتخرجها من كينونتها التي تمنع عليها التعاطي مع المجتمع وأفراده وما يحيط به من تأثيرات ضاغطة». ويتضمن الزار موسيقى شعبية ورقصا وايقاعا وأغنيات ومحاكاة، كما يزخر بأنواع كثيرة من الحلي والزينة مثل الحناء والكحل وكذلك الأزياء، وخصوصاً أزياء الجان وأزياء الفرقة والزيران الآخرين. كما يتميز كظاهرة فلكلورية بالقدم والعراقة، والتوارث جيلا بعد جيل ­ شفاهية وليس عن طريق التدوين ­ والتعبير عن الوجدان الجماعي لقطاع كبير من الطبقة الشعبية (قديما)، ومجهول المبدع من الشعب. أما من ناحية الشكل، فحفل الزار يختلف من مكان لآخر، فهناك زار يقام في (المكيد) ­ وهو اسم المكان الذي يمارس به الزار ويكون عادة على هيئة حجرة كبيرة في بيت (الشيخة) أو الشيخ ­ وهي المرأة أو الرجل اللذان يقومان على العلاج وتبعاته في الزار. وزار يقام في المزارع والبساتين وزار يقام في الأماكن الشتوية في الصحراء، وأيضاً في بعض الجزر القريبة وكل ذلك بحسب رغبة الزار نفسه، وأيضاً بحسب المناخ. أما الطقوس المتبعة في الزار، فهي من (المنحر) ­ وهو موضع النحر، فـ (الضيفة) ­ وهو ما يطلبه الزار من المريض لاستضافة كل من لهم شأن بالزار. وتتمثل الضيفة في أشكال عدة. على سبيل المثال: العجل، الكبش أو الدجاج، الملابس وبعض من النقود والحلي. وتعد الضيفة بمثابة التكريم للزار. والطلبات و(التبخر) ­ وهو التطيب بالبخور بأشكاله المتعددة كبخور اللبان أو العود الهندي أو البخور الجاوي. و(الانزال) ­ ونزول الزار وحضوره الى المكان بعد القراءة على الشخص المريض. و(تدخيل الضيفة) ­ وهو ادخال الكبش أو العجل داخل المكان الذي تقام به طقوس الزار، ليركبه صاحب الزار إذا كان كبشا ويدور به 3 دورات ومن ثم يتم إخراجه، أما إذا كان عجلا فإنه يطوف من تحته ثلاثا ثم يخرج العجل الى خارج المكيد.

ثقافة متجذّرة

وكتاب «الزار» لمؤلفه جاسم محمد بن حربان. وهو الفنان الذي عرفته الساحة الفنية في البحرين كواحد من أبرز الباحثين في الثقافة الشعبية، ومن الحفظة القلة للفنون الغنائية والعادات والتقاليد البحرينية. يعد واحدا من الكتب القيمة التي تبحث في إطار الثقافة الشعبية ووفود ثقافة (الزار) وتجذرها وارتباطها بكل من عاش على أرض البحرين وزاول طقوسها وفنونها وعاداتها وتقاليدها. وخصوصاً أن بن حربان توافرت له عدة أسباب اتكأ عليها في منهجية الكتاب وهي: الارث الكبير الذي حظي به من والده الفنان الشعبي الراحل محمد جاسم بن حربان، والروايات الكثيرة من الذين عايشهم وزاول معهم ممارسة هذا الارث، والتسجيلات الصوتية التي توجد في إذاعة البحرين، والتسجيلات التي سجلها من الرواة ومن حفلات الزار الكثيرة التي خاضها وتعلم فيها كيفية ممارسة الطقوس منذ كان صغيرا في أماكن مزاولته كما أنه شاهد الكثير من الحالات التي تأتي للعلاج. هذا الى جانب بعض الكتب والمراجع وبعض المجلات المتخصصة.

ارتباط وثيق بالبحرين

جاءت فصول الكتاب لتوضح أن فن الزار ذو ارتباط وثيق بمجتمع البحرين ذي السمات المتعددة والشرائح المجتمعية ذات الصبغات المتأصلة والوافدة. وهو التكوين المجتمعي البحريني الذي يلعب دوراً مهماً في وجود الكثير من الثقافات على أرضه. وقد عمد ابن حربان في كتابه إلى إبراز الجانب اللحني مكتوبا موسيقيا وعرض الكثير من الترتيبات الطقسية المتبعة تحت مسمى أمثلة، فبدأ في أفراد فصول متمثلة في التعريف بالموضوع ونشأته من خلال ما تناولته بعض الكتب والمراجع، ثم انتقل إلى الفصل الثاني الذي جاء تحت مسمى الزار الحبشي معتقداته وآلاته ونصوصه ومجموعاته بمشايخها، والفصل الثالث انفرد بموسيقى الزار والفرق الشعبية التي تمارسها وبدأ بالطنبورة، ثم جعل فصلا آخر بمسمى الآلة وايقاعات تمارس تلك الطقوس الزارية وهي الليوة وأبرز من خلالها كيفية صناعاتها وأقسامها وطقوسها ورقصاتها وأغنياتها مع إيجاد بعض الأمثلة، أما الفصل الخامس فتحدث فيه عن ارتباط الزار بالفنون الغنائية الشعبية الأخرى ووجوده بها، وذلك من خلال تعريفات مبسطة للفنون ونصوصها وبعض من آلاتها المستخدمة. ثم انتقل إلى العادات والتقاليد المتبعة في الزار، وعرض بعضا من الحالات الزارية. أما الفصل التاسع فخصصه المؤلف للجن في المعتقد الشعبي.

طريقة علاجية

وخلص ابن حربان إلى مجموعة من الاستنتاجات، فأوضح أن الزار وطقوسه طريقة علاجية قديمة. ظهرت من الناس وللناس تستقرئ مكامن الأمراض النفسية وتضع لها الحلول المناسبة شأنها شأن أية طريقة يعتقدها الانسان منساقة لمعتقده الفطري لتكوّن له ملاذا يحتمي به في أوقات يصعب عليها استحداث ما لا يحيط ببيئته. كما خلص إلى أن الفنون الشعبية التي لازمت هذا المعتقد الطقسي هي أيضاً نتيجة التفاعل بين الأفراد والجماعات والبيئة المحيطة خلال الأزمان والأحقاب الماضية ولا يعرف من هو مبدعها الحقيقي.

مواجهة علمية

ودعا بن حربان إلى أن تكون هناك مواجهة علمية شاملة لظاهرة الزار لا تقوم على مجرد الرفض أو القبول، بل تقوم على دراسة منهجية موضوعية محايدة تقدم الأسباب العلمية لحالات الشفاء في الزار، وإلى تشكيل فريق من الباحثين والأطباء النفسيين أي فريق قائم على التخصص لدراسة الزار فهو يرى أن في الزار مادة أدبية وفنية يرجى وضعها في متناول الفنانين فهو ­ أي الزار ­ مصدر غني للاستلهام. على سبيل المثال لا الحصر يمكن الاستفادة منه في الألحان والايقاعات والملابس بألوانها وأشكالها.

أهمية التدوين

ويمكن القول إن كتاب ابن حربان هو فقرة من سلسلة عكف عليها منذ أن أصدر كتابه الأول «لفجري (غناء السمر عند البحارة والغواصين) حتى اليوم. وهي إبراز ما للثقافة الشعبية من جذور قوية في مجتمع بحريني صغير يحتوي على الكثير من الطوائف والأعراق. وفي مجتمع يشكو من ندرة المراجع والمخطوطات والكتب التي تتصدى لمثل هذه الموضوعات الثقافية وقلة المتصدين لها في المجتمع المحلي وتهاوي الدور الجماعي الذي تبنى الحفاظ على مثل هذه العادات والتقاليد والطقوس، واقتراب نهاية التجمعات التي تهتم بها وتمارسها وعدم التواصل بين ما هو موجود وممارس وما يأتي من الخارج، وعدم وجود جهود حكومية تختص برعاية هذه الموروثات بتفعيلها وإيجاد مساحة خصبة تستطيع من خلالها أن تتواصل بتدوينها وأرشفتها لتبقى في متناول الباحثين والمتخصصين، وعدم وجود مراكز بحثية تهتم بالتراث بشكل عام. وأخيرا انتقال الكثير ممن يمتلكون الحفظ والممارسة من الرواة إلى رحمة الله. ما يدفع إلى التأكيد على أهمية تدوين ما تبقى ومن تبقى من المتمرسين بتلك الفنون الشعبية العريقة





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً