من المعروف أن اتفاقات منظمة التجارة العالمية تهدف نظرياً في مجملها إلى تنظيم وتسهيل حرية انسياب التجارة الدولية وإزالة أو الحد من القيود الجمركية وغير الجمركية التي تفرضها الدول على تجارتها الخارجية. وتغطي هذه الاتفاقات نحو في المئة من حجم التجارة الدولية في قطاعات السلع والخدمات المختلفة.
أما من الناحية العملية، فإن تحقيق أهداف الاتفاق يعتمد على توازن القوى والمصالح بين الدول الغنية من جهة، والدول النامية من جهة أخرى. وكما لاحظنا من مؤتمر هونغ كونغ الأخير، فإن التسويات في منتصف الطريق غالباً ما تكون المخرج للشد بين الطرفين. إن البحرين تمتلك الكثير من المقومات التي تؤهلها للتعامل مع اتفاقات منظمة التجارة العالمية أو مع هذا النظام التجاري الدولي الجديد، مثل سياسة الانفتاح الاقتصادي وحرية السوق، كما أنها تمتلك الكثير من مرافق البنية الأساسية المتطورة، وتعتبر من أقل دول العالم من حيث الرسوم الجمركية والقيود الكمية والإدارية على الواردات. كما أن البحرين وبقية دول التعاون الخليجي تتوافر فيها الكثير من الموارد الطبيعية، وفي مقدمتها النفط والغاز الطبيعي، وكذلك أصبحت هذه الدول من أكثر الدول استخداماً للتكنولوجيا الحديثة، وقطعت شوطاً كبيراً في مجال التنمية الاقتصادية، ويعتبر الدخل الفردي فيها من أعلى معدلات الدخل في العالم. كما تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بالكثير من المزايا التنافسية في مجال الإنتاج والتصدير للكثير من السلع الصناعية مثل السلع البتروكيماوية والالمنيوم، بالإضافة إلى بعض الخدمات الخاصة في مجالات المصارف والتأمين والسياحة وغيرها.
وعلى رغم جميع هذه المزايا، فإن البحرين وبقية دول مجلس تواجه الكثير من التحديات التي تحد من إمكاناتها في مواجهة العولمة و»الجات«. ومن هذه التحديات ما يتصل بالنمو السكاني السريع في المنطقة، إذ إن عدد سكان دول مجلس التعاون سيرتفع في العام إلى نحو مليوناً، منهم ملايين من غير المواطنين.
كما أن الحاجة مازالت قائمة لمواصلة الجهود لتنويع مصادر الدخل وتشييد تجارب تنموية متينة من خلال توفير مقومات نمو القطاعات الاقتصادية، وخصوصاً القطاع الصناعي المرشح لقيادة عملية التنمية في المستقبل. كما أن هناك التحديات المرتبطة برفع الكفاءة الإنتاجية والاقتصادية لدى مختلف القطاعات، بما في ذلك القطاع الحكومي، وكذلك توجد ضرورة لتعديل وتطوير السياسات والأنظمة الاقتصادية، واستكمال الخطوات والآليات الخاصة بالسوق الخليجية المشتركة التي يجب أن تكون امتداداً لسوق عربية، وذلك من خلال توحيد العملة وتوفير حرية فعلية في انتقال العمالة الوطنية بين دول مجلس التعاون، وتحقيق الانسجام بين السياسات الاقتصادية وأنظمة الاستثمار.
لذلك فإنه توجد ضرورة لتوفير كل المتطلبات التي تسهم في تعظيم الفائدة من الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وبالتالي لابد من إيجاد جهاز مشترك دائم يحقق تلك الأهداف، ويدعم خطوات دول المجلس في تحقيق الاستغلال الأمثل للمستجدات المتصلة بالعولمة، ويشخص اتجاهاتها وتطوراتها ويحلل أبعادها ويحدد المتطلبات بما يخدم مصلحة دول المنطقة. كما أن هناك فرصاً اقتصادية تتيحها العولمة والانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وهنا تبرز أهمية سياسات الإصلاح الاقتصادي التي تقوم بها البحرين حالياً، إذ إن العولمة ستؤدي إلى تهميش بلدان كثيرة وقطاعات واسعة، ما يتوجب معه الاهتمام بسياسات الاقتصاد الكلي بغية إعادة ترتيب أوراق المزايا التنافسية لتفادي التهميش وهضم الاتفاقات الاقتصادية الدولية وتيارات العولمة
إقرأ أيضا لـ "علياء علي"العدد 1228 - الأحد 15 يناير 2006م الموافق 15 ذي الحجة 1426هـ