قدمت باكستان أمس الأول احتجاجاً شديد اللهجة الى السفير الاميركي لدى إسلام أباد عقب ارتكاب القوات الاميركية مجزرة في قرية باكستانية نائية. وعلى رغم أن واشنطن بررت الغارة الوحشية على المدنيين العزل (اذ سقط منهم 18 قتيلا على الأقل غالبيتهم من النساء والأطفال دون سن العاشرة) بأن مساعد زعيم «القاعدة» ايمن الظواهري موجود في القرية فإن النتيجة كانت فاضحة إذ أكد مسئولون وناجون من الحادث أن الظواهري غير موجود هناك وان كل الضحايا والسكان باكستانيين ليس من بينهم أجنبي واحد. هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة، فقد تكرر أمثالها من الغارات الاميركية بطائرات من دون طيار على التراب الباكستاني ومن دون تنسيق مع حكومة برويز مشرف التي تقدمت الاثنين الماضي باحتجاج مماثل للقوات التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان بسبب حادث آخر قتل فيه ثمانية قرويين. ومن المعلوم أن الحكومة الباكستانية حليف أساسي لإدارة بوش في الحرب على «الإرهاب»، وهي تنشر نحو 70 ألف جندي في منطقة القبائل الوعرة لمطاردة فلول تنظيم «القاعدة» وغيرهم من «المتطرفين» الذين فروا من باكستان عقب الإطاحة بنظام «طالبان» العام .2001 ولكن في ظل اختفاء أثر زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن والظهور المتكرر للظواهري على شاشات الفضائيات من حين لآخر محرضا المسلمين على معاداة الولايات المتحدة وحلفائها، جن جنون الإدارة الاميركية وأخذت تتخبط في عملياتها العسكرية والتعامل بعنجهية تجاه الشئون الداخلية لحلفائها. فبالأمس كادت أن تفقد واشنطن روما الحليف الأوروبي الاستراتيجي حينما استهدفت قواتها في العراق رهينة إيطالية مفرج عنها واغتالت رفيقها مسئول الاستخبارات بل وتمادت في تحريف التحقيق بان قواتها لا تتحمل المسئولية في الحادث. ليس هذا فحسب، فقد استغلت الاستخبارات المركزية الاميركية «التساهل» الأوروبي وأقامت سجوناً سرية في دول حليفة من دون علم تلك الدول وهي قضية عصفت بالثقة بين الجانبين. ولكن إذا خسرت واشنطن حكومة مشرف ستخسر الكثير: مركز الحرب على الإرهاب، أمن «اسرائيل» في ظل وجود السلاح النووي الباكستاني واحتمال وقوعه في قبضة أيدي إسلاميين متشددين، علاوة على التهديدات الوشيكة لـ «محور الشر» وفقا لنظرية المسيحيين الصهاينة.
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 1228 - الأحد 15 يناير 2006م الموافق 15 ذي الحجة 1426هـ