العدد 1228 - الأحد 15 يناير 2006م الموافق 15 ذي الحجة 1426هـ

في وداع فقيد الخليج الكبير

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

إن بكتك قلوب في المنامة يا «فقيد الكويت» فقد حق أن تتوشح الكويت بالسواد وأن تنتحب. «هل بكى ترابك بالأمس يا كويت... لن أقول توقفي... فالراحل لا تكفيه الدموع... دعي لنا في المنامة شيئاً من الحزن، فليست المنامة إلاّ الكويت... وليست الكويت سوى المنامة... إن بكى في كل كويتي قلب واحد... فقد بكت في قلوب البحرينيين قلوب وقلوب». هي ليست إحتفالية وداع تقليدية، وليست نهاية رجل اعتيادي من رجالات الحكم في الخليج، وليست رحيل «رجل التحرير» وإرجاع الحق الكويتي، وليست بالطبع احتفالية رحيل رجل قاد الكويت في سنوات كانت تتجاذب بين مشروعات البناء والتطوير من جهة، وبين الأخطار الإقليمية التاريخية من جهة أخرى. هي في الحقيقة، احتفالية وداع لإنسان الكويت وقلبها الكبير. وللكويت أن تبكي أميرها وأن تنتحب، ولا تلام على ذلك البتة. «الكويت» وطن النور والقلوب الطاهرة، وطن الأيدي البيضاء التي لم تنته أساطيرها، وطن الحب الكبير بين قادتها وشعبها، وطن الإنسان الحقيقي في زمن قلة فيها أوطان الإنسانية. الكويت ودعت بالأمس أميرها. وليس وداع أميرها بالحدث الإستثنائي فقط، بل هو داخل كل كويتي أشبه بمرارة الفقد التي لا تداوى بما قد يكتب أو يقال، ولن يكفي الكويت حتى تتجاوز مرارة حزنها كلمات أو رثائيات كالتي تقال في أي فقيد اعتيادي، فالفقيد في قلوب الكويتيين أكبر مما قد يعتقد البعض. المنامة تعانق الكويت في يوم ترحها، والعناق طويل، وفي قلوبنا حرقة لا تقل عما هي في الكويت حزناً ووجعاً، و«تراب المنامة» و«تراب الكويت» وجع واحد، وجرح واحد، في قلب واحد، بالأمس، في يوم الفقد، تعانقت العاصمتان طويلاً، بما قد يشفي ما في القلوب من لوعة. تشهد على هذه الأحزان نفوس هالها هذا المصاب، وقلوب زاد خفقانها في يوم الفقد الكبير، الكويت والمنامة في هذا اليوم لا حدود بينهما، فالفقيد في قلوب الكويتيين لا يقل عما هو في قلوب البحرينيين، فقد كانت الكويت من الأزل اختزال البحرين في سعدها وشدتها، ونحن منكم وأنتم منا. وفي قلوبنا ما لا يقل عما هو في قلوبكم. أدرك تمام الإدراك، أن للكويت متحد إجتماعي بشأن الولاء والحب للأسرة الكريمة من آل الصباح الكرام، سنة وشيعة، قد يختلف الكويتيون على كل شيء، إلاّ أنهم اليوم «كتلة واحدة» من الحزن. والبحرين تشاطر الكويت حزنها بكل مشاعر الأسى والوجع، لا لمنظومة سياسية تجمعهما فقط، بل هي حقيقة الكويت في داخل البحرينيين، بما تمثله الكويت من وطن ثان للبحرينيين، ودار للحب والسلام. «الفقيد الغالي» قاد الكويت في أحلك الظروف الدولية والإقليمية، شهدت في عهده الكويت النجاحات المتواصلة دون انقطاع، سواء على الصعيد التنموي وتأسيس البنى التحتية، أو على صعيد تنظيم الصف الكويتي إبان الحرب العراقية الإيرانية، أو في أدق مرحلة مرت بها الكويت إبان حكم الفقيد العزيز «الإحتلال العراقي الغاشم للكويت». إن الدور الكبير والتاريخي لفقيدنا العزيز الشيخ جابر الأحمد الصباح إبان الغزو العراقي الغاشم للكويت كان بوابة الإرجاع للحق المغتصب، وكانت الدبلوماسية الكويتية بقيادة الأمير الراحل ما راهن الكويتيون عليه وكان للفقيد العزيز أن يجمع العالم على الوقوف ودعم الحق الكويتي، والمساهمة في استرجاعه. مرحلة ما بعد التحرير، والحياة البرلمانية الكويتية دلالة من دلالات البيت الكويتي القوي، ودلالة من دلالات الحكم الرشيد للفقيد العزيز. كان البرلمان الكويتي ­ أول وأقوى البرلمانات الخليجية ­ مرحلة سياسية يشاد بها في عهد الراحل الكبير، وكانت المنجزات الوطنية للبرلمان إنجازاً وطنياً حقيقياً في زمن لا تدل الأشياء فيه على حقيقتها كما يجب. ليس الإنجاز الكويتي الأخير ­ مشاركة المرأة الكويتية في الحياة السياسية البرلمانية ­ بآخر الإنجازات الكويتية في عهد الأمير الراحل، بل هي اكتمال عقد الوطن الكويتي بأجمل حليه. فالمرأة الكويتية بمشاركتها في الحياة البرلمانية حققت آخر الأمنيات الكويتية في عهد الراحل، لم يشأ الأمير الراحل أن يغادر أرض الكويت إلى الرفيق الأعلى وفي قلوب أبنائه أمنية لم يسع لتحقيقها، فكان لكلماته السامية أكبر الأثر في موافقة البرلمان الكويتي على قانون السماح للمرأة بالمشاركة والانتخاب في البرلمان. لم يكن الشيوخ من آل الصباح أولئك المتفردون بالسلطة والحكم والمال، كانوا على الدوام أبناء الكويت البررة، وكانت مواقفهم الوطنية محل إشادة واحترام الشعب الكويتي الشقيق وجميع مواطني دول الخليج. الأسرة الكريمة من آل الصباح حققوا معادلة الحكم الرشيد المبني على أسس الديمقراطية والحرية، فكان أن تحولت العلاقة بينهم وبين مواطنيهم إلى ما هو أكبر من أن يكون كأي علاقة بين الحاكم والمحكوم في أية منظومة سياسية عربية. كأية الحب والتواصل والتآزر ولازال هو الرابط الأقوى بين آل الصباح والكويتيين وهي علاقة لا تنفصم، ولا تقبل التشكيك. «آل الصباح» الكرام قادرون على تجاوز هذه الأزمة، فالبيت الكويتي الواحد عوّدنا على انه بيت قادر على تجاوز الأزمات والمرور بالكويت إلى بر الأمان، وأياً كان القرار السياسي الكويتي فإن البيت الكويتي قوي ونحن نمد أيدينا لإخوتنا بالثبات والجلد، ونحن على ثقة بأن للكويت شعبها الخيّر المعطاء، الثابت القوي، والقادر على تجاوز شتى محنه. فالكويت قادمها جميل، ولقد كان لكم في الفقيد الراحل أسوة حسنة. «كويت المحبة» ليست أحزانك في الكويت وحسب، فالمنامة في عمق هذا الشعور تواسيك، ليس الفقيد العزيز أميركم وحسب، بل هو أب الجميع من أبناء الخليج، ولن تنسى أزقة المنامة أياديكم البيضاء ومساهماتكم التنموية هنا وهناك، ولن ننسى أحضانكم الدافئة لأبناء البحرين في شتى المواقف. لن تنسى المنامة الكويت في يوم حزنها الكبير، ولن تكون قلوب البحرينيين اليوم إلاّ صابرة على قضاء الله، محتسبة حزنها عن رب عزيز مقتدر. للكويت في كل قلب بحريني مكان ومحل، ولنا في هذا اليوم ترنيمة حزن ومواساة أكبر من الكلمات. وأسألوا أيها الكويتيون ترابكم الكريم، لعله أقدر على الإجابة منا، فنحن منكم وأنتم منا، إمتزج التراب بالتراب. فلماذا أواسي تراب الكويت، وأنسى تراب المنامة. ففي الأمس كان الفقد على ترابنا جلياً، إلاّ أن لأهل المصاب من الحزن ما يشفع أن نبقى في التقليديات، وأن نواسي الكويت كالغرباء، مع أننا نستقبل من الجميع في فقيدنا ­ الشيخ جابر الأحمد الصباح» رحمه الله ­ رسائل العزاء.

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1228 - الأحد 15 يناير 2006م الموافق 15 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً