في كل أفلامه يناقش المخرج والكاتب أندرو نيكول آخر المستجدات العلمية والثقافية التي تمس حياتنا، ليقدم أفلاماً مثل Gattaca الذي ناقش من خلاله قضية الهندسة الوراثية وS1m0ne وهو ما ألقى الضوء فيه على عمليات الاستنساخ بأسلوب ساخر. ومهما تكن القضايا التي يطرحها فإنه في كل مرة يطلق من وراء طرحها ذاك نداءات تحذيرية وصرخات استغاثة يختلف أسلوبها في كل مرة، وتتنوع رسائلها مع كل طرح سينمائي. لكن أفلامه بكل تأكيد تفعل أثرها في كل مرة وتصل لمختلف متفرجيها بطريقة صريحة ومباشرة لا تملق فيها ولا خجل من ذكر أي حقيقة. هذه المرة يبدو نيكول مهتماً بالبحث عما يقف وراء تدهور الأوضاع السياسية والدمار والقتل البشع للإنسانية في جميع دول العالم، ويحاول أن يناقش أسباب وصول البشر في كل مكان الى حافة الهاوية. تأخذه خيوط بحثه الى زاوية مختلفة، والى قضية شائكة تتداخل فيها قوانين وتشريعات لا تمت لأي قيم إنسانية وضعت من قبل حكومات وأطراف لا تكترث لأي دمار أو خراب تحدثه. هي قضية تجارة السلاح التي يهملها كثير من صنّاع الأفلام في هوليوود ويتجاهلون التطرق إليها في أعمالهم، بل ويفضلون عليها الحديث عن تجارات أخرى كتجارة المخدرات مثلآً التي يسهبون في شرح تفاصيل تأثيراتها المدمرة القاتلة. فيلم Lord of War يتطرق الى الحديث عن التأُثيرات المدمرة لتجارة السلاح على البشرية، وهو إن سار على خطى أفلام أخرى كفيلم الرائع مارتين سكورسيسي GoodFellas، في كونه سيرة ذاتية أو مذكرات شخصية لأحد المتورطين مع عصابات المافيا، إلا إن فيلم سيد الحرب، يناقش قضية مختلفة، ويتطرق لتفاصيل وخبايا أخرى إذ يسرد جانباً من الاعترافات الشخصية لواحد من المتعاملين بتجارة السلاح التي لا يعد الموت فيها نتيجة غير اعتيادية بل قد لا يكون من المبالغة اعتباره الهدف الأساس والمسعى الأخير لتجار الموت والمتعاملين معهم. المشهد الافتتاحي في الفيلم يصعق المشاهد ويضع يده على أول الخيوط بأسلوب مميز ومؤثر. يسرد المخرج فيه عبر سلسلة من اللقطات المثيرة الآسرة التي نشاهدها من منظور رصاصة، رحلتها التي تبدأ من مصنع أميركي وتنتهي في رأس فتى افريقي، مستعرضاً بعجالة قصة تركيب سلاح الكلاشينكوف السوفيتتي موديل 1947 AK-74 الذي يطلق عليه اسم سلاح الدمار الشامل. وعلى رغم بداية الفيلم المؤلمة إلا إنه بعد ذلك، يناقش معنا القضية ذاتها بأسلوب مختلف، حاول عبره اضفاء نوع من المرح على المتعاملين بهذه التجارة، كما يحدث مثلاً في الأفلام التي تناقش تجارة المخدرات. لم يكن ذلك ممكناً في كثير من المشاهد، لكننا رغم ذلك نضحك لمشاهد كتلك التي يكرر فيها ابن الديكتاتور المولع باقتناء «مسدس رامبو» طلبه ذاك ليوري أورلوف الذي يزود والده بالأسحلة. كذلك يحتوي الفيلم على بعض مشاهد الاثارة كتلك التي تتم فيها عمليات المتاجرة ببعض قطع الأسلحة وأجزاء مختلف الآلات والمعدات الحربية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ومن ثم نقلها عبر السفن التابعة لدول العالم الثالث إلى آخر الدنيا. اضافة الى ذلك نشاهد بعض عمليات الاغتيال بالسيارات المفخخة، ونلتقي بشخصيات بغيضة متعطشة للدماء مثل ايمون والكر، الديكتاتور الأفريقي الذي تمتلئ نفسه بالشر، والذي يقتل أحد جنوده حين يختلس النظر لإحدى الفتيات المرافقات للديكتاتور، وما أكثرهن. تثيرنا كذلك مطاردات القط والفأر بين يوري (نيكولاس كيدج) وشرطي الانتربول الناقم عليه (إيثان هاوك) وهي المطاردات التي تقودنا إلى منعطف جديد وتذكرنا بأن أمثال يوري ليسوا سوى رؤوس صغيرة في واقع الأمر، تقف من وراءها حكومات كبيرة تمارس تجارة بيع الأسلحة بشكل قانوني ومشروع. وفي الوقت الذي لا يقدم فيه هذا التصريح أي جديد لأي من المشاهدين، على الأخص حين يحدد النص الجهة المقصودة والتي تقف وراء نشاطات يوري أورلوف وهي حكومة الولايات المتحدة نفسها، إلا إن الفيلم وعلى رغم ذلك فعل ما لم تفعله سواه من أفلام هوليوود وغيرها، وجاهر بالحقيقة التي يعرفها الجميع دون خوف أو نفاق. وكما هو معتاد في كل مذكرات المجرمين، من الصعب التعاطف مع أي من شخصيات الفيلم أو حبها، فجميعها شخصيات شريرة قذرة، أما يوري فبرغم الظرافة التي تطلقها بعض عباراته، وبرغم استعراض جزءاً من حياته الشخصية والجانب الانساني فيه، بل ونقل جزء من الصراع الذي يعيشه بسبب تجارة السلاح، وهو ما قد يجعل المشاهد يتعاطف معه، إلا أن وقاحته في التصريح بنشاطاته اللاإنسانية تقضي على أي فرصة في خلق هذا التعاطف أو الميل، لدرجة أننا لا نكترث حين تتركه زوجته، أو حين يقتل شقيقه الذي يحمل كثيراً من أخلاقيات يوري ونفسيته الشريرة. أخيراً وعلى رغم الاتهامات الكثيرة التي وُجهت لمخرج الفيلم برغبته في تقديم فيلم يشابه Traffic الذي قدمه ستيفن سوديربيرغ في العام 2000 ليحصد من وراءه أوسكار أفضل اخراج، اضافة الى عدد كبير من الجوائز والتكريمات التي حصل عليها الفيلم والذي تجاوزت ارباحه 124 مليون دولار، إلا أن (سيد الحرب) جاء أقرب الى فيلم Blow الذي اخرجه تيد ديم في العام 2001 (آخر أعماله Decade Under the Influence ) والذي لم تتجاوز أرباحه 54 مليون دولار وكان من بطولة جوني ديب وبينلوب كروز، وان كان كلا الفيلمين يناقشان تجارة المخدارت، بينما يتعرض Lord of Wars لعالم السلاح. وبغض النظر عن ذلك التشبيه إلا أنه فيلم ممتاز بسبب أداء ممثليه المؤثر، والمعلومات الكثيرة المذهلة التي يمتلئ بها، وكذلك مشهده الافتتاحي الشيق والمناسب لموضوعه ولكل ما يأتي بعده من مشاهد
إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"العدد 1227 - السبت 14 يناير 2006م الموافق 14 ذي الحجة 1426هـ