العدد 1227 - السبت 14 يناير 2006م الموافق 14 ذي الحجة 1426هـ

من حق إيران أن تخاف

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

من حق إيران أن تخاف. والخوف حق إنساني يصيب الدول كما يصيب الأفراد. وإيران الدولة في هذا المعنى وجدت نفسها محاصرة دولياً وإقليمياً منذ غزو الولايات المتحدة لأفغانستان والعراق. وكذلك وجدت نفسها في موقع الضعيف حين طرحت واشنطن مشروع «الشرق الأوسط الكبير» من دون إذن أو أخذ رأي الدول المعنية بهذا المشروع. إلى هذه السياسة الفوقية اتجهت واشنطن نحو اتباع منهج التوصيف والتمييز بين الدول. فقسمت دائرة «الشرق الأوسط» إلى مناطق صديقة وأخرى معادية. ثم وضعت بعض الدول في «خانة الخير» وأخرى في «خانة الشر». وتحت بند التصنيف السياسي هذا أخذت إدارة بوش تميّ ز بين دولة وأخرى. فهذه يحق لها التزود بالسلاح النووي وتلك لا يحق لها. وهذه مسموح لها بمخالفة القوانين الدولية وتلك لا. وهذه يحق لها أن ترفض تطبيق قرارات مجلس الأمن وتلك غير مسموح. وهذه يجب أن تنصاع للتفاهمات الدولية وتلك يحق لها التمرد والمخالفة والرفض والتحدي. وبسبب سياسة التمييز والتفرقة بين الدول أسهمت الولايات المتحدة في توليد مشاعر الخوف والشك في صدق نواياها. كذلك ساهمت في إنتاج قوى ممانعة وقواعد رافضة لهذا السلوك الذي يعتمد نهج التفرقة (العنصرية) في التعامل مع دول «الشرق الأوسط الكبير». فالولايات المتحدة طرحت فكرة المشروع كحل جغرافي/ سياسي لمشكلات المنطقة المزمنة، ولكنها في سلوكها العملي أسهمت في افشال فكرة المشروع عندما اعتمدت التفرقة وتحاشت سياسة المساواة بين الدول. فالفكرة ظهرت وكأنها محاولة لتطويق المنطقة واخضاعها لمصلحة «إسرائيل». وتكرست المخاوف تحديداً حين استثنت واشنطن تل أبيب من كل المسئوليات واعطتها صلاحيات خاصة في امتلاك «السلاح النووي» وحرمت باقي دول «الشرق الأوسط الكبير» من تلك الامتيازات. الولايات المتحدة إذاً من الناحية الفعلية احبطت مشروعها وساهمت عملياً في تفكيك عناصر الفكرة حين وضعت «إسرائيل» خارج سياق المنطقة وأعطتها امتيازات وحرمت غيرها منها وتعاملت معها وكأنها دولة خاصة ذات طبيعة مختلفة وكأنها هي موجودة عن طريق الخطأ في دائرة «الشرق الأوسط». هذا التناقض الذي يقوم على فكرة التمييز السياسي بين دول المنطقة شكل ثغرة في المشروع الأميركي وأسهم في تشكيل قناعات مضادة عززتها تلك المخاوف اليومية من التهديدات التي تطلقها واشنطن تارة وتل أبيب طوراً ضد دول المنطقة. ومجموع هذه الممارسات طوّر في الجانب الآخر اتجاهات مضادة لفكرة المشروع الأميركي واعطاها شرعية سياسية حين تشكلت تيارات شعبية ضاغطة ترفض التنازل أو الانسياق للشروط أو الإملاءات. ولكل هذه الأسباب مجتمعة جاءت الانتخابات الديمقراطية في أكثر من بلد عربي ومسلم لتحمل إلى الحكم قوى تعبّر فعلاً عن تلك المخاوف من سياسة تقويضية تخطط واشنطن لتنفيذها على غرار ما حصل في أفغانستان والعراق. من حق إيران أن تخاف كدولة من سياسات أميركية تخطط لها على الأمدين القريب والبعيد، وخصوصاً بعد أن لاحظت طهران تلك الكوارث التي حلت بجارتها على حدودها الشرقية وجارتها الأخرى على حدودها الغربية. إيران مهددة فعلاً وكل الكلام الترويجي الذي يتحدث عن مكاسب حققتها بفضل الاحتلال الأميركي لأفغانستان والعراق هو مخادع في سياقه الاستراتيجي العام. فالكلام صحيح في صيغته المؤقتة والتكتيكية وغير صحيح إذا نظر إليه في إطاره الاستراتيجي. فالاحتلال فكك نظام حكم متخلف تقوده «طالبان»، ثم سيطر على دولة محاصرة واسقط نظام حكم معزول واستبدلهما بقواعد عسكرية متطورة. هذا التغيير الاستراتيجي ربما خفف عن طهران بعض الضغوط والازعاجات، لكنه جلب إلى حدودها أكبر قوة عسكرية في العالم تنسق مع «إسرائيل» أمنياً لتغيير هوية المنطقة وهيكلة دولها لتسهيل مشروع «الشرق الأوسط الكبير». وهذا التغيير يعطي الحق لإيران أن تخاف

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1227 - السبت 14 يناير 2006م الموافق 14 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً