الولايات المتحدة تحصد ما زرعته في المنطقة التي تطلق عليها «الشرق الأوسط الكبير». فكل ما يحصل من فوضى أمنية وعدم استقرار سياسي ونزاعات داخلية وإقليمية تتحمل مسئوليته القانونية تلك الإدارة الأيديولوجية المتطرفة التي تقود واشنطن نحو سياسات خارجية عدوانية. هذا الثابت هو دليل قطعي على أن الطرف الذي يتحمل مسئولية ما حدث أو سيحدث في المستقبل القريب أو البعيد يقع على الجانب الأميركي. فواشنطن الآن تحصد ما زرعته إدارتها من سياسات اتسمت منذ البداية باللجوء إلى القوة لحسم مشكلات مزمنة. وبسبب نزعة «البيت الأبيض» نحو الانفراد بالقرارات وتجاوز القانون الدولي والتفريط بمصالح الدول الأخرى بذريعة مكافحة الإرهاب أنتجت تلك النزعة حالات من الفوضى وعدم الاستقرار ودفعت مختلف القوى المعنية بالتهديدات إلى اتخاذ إجراءات دفاعية وتنظيم قواها للحد من المخاطر المتأتية من الجانب الأميركي. في هذا الإطار القانوني وتحت هذا السقف السياسي يجب أن نقرأ ذاك الاختلاف في وجهات النظر بين إيران والترويكا الأوروبية (بريطانيا، فرنسا وألمانيا) بشأن الملف النووي. فإيران من حقها أن تخاف، ومن الجانب القانوني يحق لها إنتاج الطاقة النووية لأغراض سلمية. كذلك يحق لها من الجانب السياسي تنظيم دفاعاتها لمواجهة خطر التهديدات العشوائية التي أطلقتها واشنطن بعد اجتياح أفغانستان في العام 2001 واحتلالها العراق في العام .2003 وما يحصل اليوم من اختلافات في وجهات النظر وشكوك متبادلة في نوايا الطرفين تتحمل أيضاً مسئوليته السياسية والقانونية دولة الولايات المتحدة. فهذه الخلافات حصلت وتحصل بعد اجتياح أفغانستان واحتلال العراق وإعلان إدارة جورج بوش عن نواياها في إعادة هيكلة دول «الشرق الأوسط». ولولا هذه التهديدات التي أعلنت على أكثر من صعيد لما استشعرت طهران بالخطر وتخوفت من احتمال لجوء واشنطن إلى إعادة استخدام القوة لزعزعة استقرارها وجرها إلى تنازلات تكسر توازنها الداخلي وسيادة الدولة على أرضها. الموقف الإيراني الرسمي المستحدث هو رد فعل على سياسات الوعيد والتهديد. ولو لم تلجأ واشنطن إلى السلوك العدواني في التعامل مع الدول والملفات الساخنة في المنطقة لما اضطرت طهران إلى اتخاذ قرارات تقع ضمن التدابير الدفاعية والتحوط السياسي من قوة كبرى أنزلت جيوشها على حدودها الشرقية والغربية. لا خيار أمام طهران سوى الانتباه، وكذلك الاستعداد لكل خطوة قد تلجأ إليها واشنطن من دون عودة إلى الشرعية الدولية. فأميركا بعد اجتياح أفغانستان واحتلال العراق فقدت صدقيتها الدولية وباتت تتصرف عشوائياً وخارج سياق القانون ومنظوماته المتعارف عليها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. لكل هذه الأسباب المجتمعة تتحمل الولايات المتحدة النتائج لأنها الطرف المسئول عن زرع الفوضى والتشجيع على عدم الاستقرار بذريعة مكافحة الإرهاب وإعادة هيكلة دول المنطقة. وإيران في هذا المعنى السياسي/ القانوني لا تتحمل مسئولية الفوضى وعدم الاستقرار، ولذلك من حقها الشرعي أن تنظم دفاعاتها تحسباً لعدوان عسكري أو ضربة غادرة أو تحرشات حدودية قد تفكر بها أو تلجأ إليها واشنطن حين تقرر ذلك من دون أذن مجلس الأمن. الشك في النوايا زرعته واشنطن وهي أيضاً تتحمل مسئوليته المادية والمعنوية بعد أن افترت على العراق وقوضت دولته وفككت شبكته الأهلية بذريعة البحث عن «أسلحة الدمار الشامل» وحين لم تجد أي دليل على الذريعة رفضت الاعتذار ولاتزال مترددة في وضع جدول زمني للانسحاب. وفي هذا المعنى من حق إيران أن تشك في نوايا الولايات المتحدة، لأن سياسة واشنطن وضعت علامات استفهام كبيرة بشأن استراتيجيتها وأهدافها الحقيقية من وراء غزو أفغانستان والعراق وتأييدها المطلق لـ «إسرائيل» في كل الحقول والمجالات. الآن وصلت الأمور إلى نقطة خطيرة وبات وضع أمن المنطقة مهدداً من جديد. ومهما حصل في المستقبل ومهما كانت النتائج الكارثية فإن أميركا تتحمل المسئولية فهي من زرع الفوضى وعدم الثقة والمخاوف وبالتالي فإنها تحصد ما قررته سياستها العشوائية والمجنونة.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1226 - الجمعة 13 يناير 2006م الموافق 13 ذي الحجة 1426هـ