هناك مشكلة تتفاقم في المجتمع العربي والإسلامي، نتيجة إلى عولمة الثقافة، ووصول ثقافات مختلفة عن الثقافة الإسلامية، إلى أذهان الأجيال في البلاد العربية والإسلامية، فأصبحت ذهنياتها مفتوحة على ثقافات أخرى. وصول هذه الثقافات أدّت إلى حال من الإرباك الذي نعيشه في هذا المقطع الزمني بدرجة أكبر مما سبق، بفضل وسائل التكنولوجيا التي استطاعت أن تنقل المعرفة بخيرها وشرها، لتستولي على الحجم الأكبر من وسائل الثقافة والإعلام الحاضرة.
مشكلة التفكك الأسري
المشكلة التي أخذت تتفاقم وسنشهد فيها صراعات على مدى العقود المقبلة، ستبقى أهم من أية مشكلة في تقديري، وهو ان هذا النوع من الثقافة المخالفة لثقافة الإسلام والديانات الأخرى، همها الأول هو تضخيم الرساميل المادية للأفراد والشركات على حساب كل القيم والمبادئ البشرية. المشكلة هي حال التفكك الأسري، حتى لم يعد عنوان الأسرة الذي نقدسه حتى الآن، هذه الرابطة باتت محدودة جداً في الغرب، حتى أصبحوا يقيمون احتفالاً بمن استمر في الحياة الزوجية لمدة خمسين عاماً، وهؤلاء لا يتجاوزون الخمسين أو الستين عائلة في بريطانيا. فالحضارة المادية القائمة تسحق الجميع. هذا التفكّك بدأ يظهر لدينا، فهناك زيادة هائلة في عدد الطلاق، وهناك مساحة من التفكك في داخل الأسر نفسها. الانسجام الذي كنا نجده ببساطة آبائنا وامهاتنا أخذ يضيق في حياتنا الحديثة. فالثقافة اليوم تدخل على الأسرة من التلفزيون والإنترنت والموبايل، فينتج تضارب بين هذه الثقافة وبين الموروث الديني، وكثير من المشكلات الأسرية والتفكك يعود إلى هذا النوع من الغذاء الثقافي المادي. ومن أسباب ذلك أيضاً مسألة الانشغال في كسب الرزق أو الانشغال في الحركة الاجتماعية.
التأني في مسألة الزواج
نحن بحاجة إلى إعادة طريقة التعامل في أسرنا لنتفاعل مع المتغيرات الكبرى. سابقاً كان الأبن يأخذ سمات الأب والبنت تأخذ سمات الأم بسبب المحيط المحدود الذي يعيشونه، أما عين الطفل وأذنه ومداركه الأخرى، فتقع اليوم على مختلف ما يجري في العالم، فيحتاج بالتالي إلى أسلوب تربوي يختلف عما تربّينا عليه. تكوين الأسرة اليوم أصبح بحاجة إلى تأن أكثر من السابق، فمسألة زواج الولد من البنت أصبح بحاجة إلى دراسة أكثر، للإلمام بكل التعقيدات التي طرأت على أمور الزواج. أسباب الطلاق والخلافات الأسرية كثيرة، فعلينا أن ندرسها عندما نريد أن نزوّج أبناءنا وبناتنا. فهناك مشكلات ثقافية واقتصادية واجتماعية، وضع لها الإسلام أسساً ومعايير عامة، وعلينا أن نستفيد من الدراسات الموجودة قدر الإمكان، لندرس إمكان نجاح الشاب والشابة الراغبين في الزواج ، وتحقيق الانسجام وتكوين أسرة مستقرة، وألاّ نمنعهما من الفرصة الكافية للتعرف على بعضهما بعضاً إذا أرادوا الخطبة. على الشاب أن يقصد بيت الشابة المطلوبة، ل أن يقصد الإنترنت مثلاً. عليه أن يقصد بيتها لكي يتعرف عليها ويتكلم معها، وليس لقاءاً واحداً وانتهى الموضوع، علينا التأني في مسألة تكوين الأسرة. الإسلام لا يمنع ذلك، في مسألة النظر، لا يجوز لك النظر إلى المرأة مرتين بلا حاجة، الممنوع أن يرفع الإنسان نظره إلى امرأة من أجل أن يتمتع بجمالها ومنظر جسدها، لكن في حال الرغبة في الزواج، يجوز له النظر إلى مفاتنها أيضاً. إذا كانت هذه مساحة الحرية في مجال النظر البصري، فمساحة الحرية في مسألة النظر إلى المكونات النفسية والواقعية عند المرأة والرجل بلا أدنى إشكال مساحته أكبر، حتى يعرفا بعضهما أكثر، فأمنحوهما فرصة ما دامت النية تتجه إلى الزواج وما داما سلكا الطريق بشكله الطبيعي.
البناء الداخلي للأسرة
ثم ان الأسرة بعد تكوينها، بحاجة إلى الحديث مع بعضها، بين الزوجين، وبينهما وبين أولادهما، فأنت بحاجة إلى التواصل مع أبنائك، حتى في مراحلهم الأولى، لتغذي فكرهم وتربيهم على نمط معين في التفكير والسلوك. فعلماء التربية يقولون إن الخمس سنوات الأولى من العمر تكوّن أساسيات الإنسان، بخله وكرمه، شجاعته وجبنه، وفيها بالتحديد يتصنع الولد شجاعاً وكريماً. علينا أن نجعل الخطاب ودرجة التفاعل مع الأسرة متمراً، وألا نضع الحواجز بيننا وبين الابناء. لا تجعل ابنك غير قادر على الرد عليك، والابنة غير قادرة على الرد عليك، وإذا لم يرد عليك فتأكد انه يختزنها في نفسه ويعبر عنها في مكان آخر. ومن المناسب أن ينظم الإنسان بعض الأوقات للحديث العائلي المشترك. لنجلس في أحد أيام الأسبوع كالخميس أو الجمعة، فقط للتحدث معاً، ونغلق فيها كل الأجهزة الحديثة، نتحدث جميعاً في كل القضايا، أخلاقية واجتماعية وسياسية وثقافية ودينية، وفي قضايا المدرسة والمنطقة التي نعيش فيها، فلو حسبت الوقت ستكتشف أنك لا تتحدث بشكل جاد مع أفراد أسرتك، والحديث يكون فقط حديث إجرائياً من دون أي عمق فكري أو ديني أو اجتماعي، ليس هناك أية متابعة لتطلعات طفلتك وقلق ابنتك او ابنك، وأن لا تكون الأجهزة الحديثة هي التي تغذي فكرهما وفكرك، حتى جلسات الغذاء الجماعي المشترك للأسرة يجب أن تستمر، فالأجهزة الحديثة من تلفاز وغيرها لها وقتها، ولكن وقت الحديث بين الأسرة فخذة بالتقلص والانخفاض. هناك ظاهرة بدأت تكبر، أنك لا تعرف أبناءك، ابنك لكنك لا تعرف مداخل نفسه، ابنتك لا تعلم ماذا تضمر ولا كيف تتصرف ولا مع من ترتبط، لأن مساحة الحديث بين الأسرة قليلة ومساحة اكتشافنا للآخر قليلة، والحديث وسيلة طبيعية لاكتشاف كل طرف من أطراف الأسرة. لابد في هذا الزمن من تحوّل الأبناء والبنات إلى أصدقاء، ليصبح ذلك جزءًا من استراتيجياتنا الأسرية، فابنك صديقك، بمعنى أن يخرج معك، ويتحدث و«ينكت» معك، حال الأبوة يستمر، وإذا استطعتم أن تقدموا صيغة معينة لتكوين صداقة بينكم وبين أبنائكم كان زفضل، فكلما كان أبناؤكم معكم فإنهم يتربون ويتعلمون منكم، بينما يزيد الابتعاد الهوة بيننا وبين أبنائنا. * رئيس جمعية «الوفاق»
العدد 1225 - الخميس 12 يناير 2006م الموافق 12 ذي الحجة 1426هـ