دارت الكثير من القضايا المحلية في أروقة المجلس الوطني والمنتديات والدواوين وغيرها من الأماكن خلال الأيام الماضية، وكانت أهم القضايا التي دار حولها النقاش والمزايدات هي الوحدة الوطنية وغيرها من القضايا. طبعاً تراوحت حدة الطرح والنقاش بين مؤيد ومعارض ومستغرب، متناسين أن أهم نقطة في جوهر القضية، وهي الحياة الديمقراطية التي تؤمن بالتعددية، ومع الأسف نجد أنفسنا وقد خرقنا وبشكل سافر الحريات العامة والشخصية تحت شعار الوحدة الوطنية. إن الوحدة الوطنية بمفهومها الحالي تنسف أهم مقومات الديمقراطية، وهي التعددية السياسية والمذهبية. فجميل أن نرى الساحة المجتمعية في المملكة، تمارس وبشكل صحي التعددية بشتى أشكالها، وهو إرث تاريخي للمجتمع البحريني الذي تميز بالتسامح على رغم التنوع المذهبي والأثني، وقد عبرت في لحظاتها التاريخية عن الوحدة الوطنية بكل معانيها وتجالياتها في موضوع الانتماء القومي للبحرين، عند استفتاء الأمم المتحدة في السبعينات بشأن تقرير المصير لشعب البحرين. إن الوحدة الوطنية لا تقل أهمية عن التعددية، ولكل هذه التعابير معطياتها وضروراتها التاريخية، فعندما يتعرض الوطن إلى المخاطر الخارجية تكون الوحدة الوطنية ضرورة تاريخية، والخروج على هذا المبدأ يسمى في العرف السائد خيانة وطنية، وهذا لا يعني بالضرورة أن الخروج على الإجماع الوطني في الرأي والاعتقاد مساساً بالوحدة الوطنية، إذ إن حرية الاعتقاد وحرية التعبير عن الرأي إحدى أهم مقومات الديمقراطية، وحقاً من حقوق الإنسان ومبدأ يكرسه دستور مملكة البحرين. إن اختلاف الآراء وتنوع المذاهب السياسية والفكرية والعقائدية، إنما هو إثراء ما فوقه إثراء لشعب حي ينشد الحرية بكل قواه وأطيافه وتعبيراته. ومن هنا يلاحظ الخلط بين هذه المفاهيم والتعبيرات، عندما يخرج علينا البعض سواء في الصحافة أو في المنتديات أو المجالس الشعبية بالدعوة إلى الوحدة الوطنية، وكأن الوحدة في خطر لمجرد اختلاف في الرأي أو سماع صوت آخر أو بروز حالات من الاحتجاج جراء خلل في الوضع الاقتصادي العام، كأن تفسر بعض احتجاجات أو اعتصامات العاطلين أو المطالبة بالحصول على سكن أو حماية البيئة أو السواحل أو بعض التصريحات هنا وهناك لبعض الأفراد، وكأنها تشكل خطرا على الوحدة الوطنية، فهل يريد هؤلاء أن يكون الناس باختلاف مذاهبهم وعقائدهم وانتمائهم وأصولهم وفقرهم وغناهم على رأي واحد ونسق واحد؟ وإلا ما هو المبرر لوجود هذا الكم الهائل من الجمعيات، ولماذا الصراع إلى حد الابتذال على المواقع النيابية والبلدية، فهناك مدع بالتدين بلا تدين، ومتدين يتعلمن بلا علمنة، وآخر يدعي الديمقراطية بلا ارث سوى الاستبداد. فلماذا لا يكون هؤلاء جميعهم على رأي واحد؟... محبين لبعضهم بعضاً لا ينهش هذا في ذاك، وفي جميع الأحوال لا ضير ولا غضاضة لدى البعض في أن يعلن من الآراء والتوجهات والبرامج الكاذبة كما يحدث في العادة أيام الانتخابات النيابية والبلدية، وبعدها يكون مصيرها في طي النسيان. إن موضوع الوحدة الوطنية والتعددية تتجلى بكل صورها عند طرح قانون الأسرة، بين معارض لحد الكفن ومؤيد بلا أكفان، ما يعني أن هذه الحال تعبير عن الاختلاف في الرأي وفي الاعتقاد الذي يصل لحظة الاصطدام دفاعا عن الرأي والقناعة، وهي أعلى درجات الاختلاف والتصادم، لكن ذلك لا يعني تهديدا للوحدة الوطنية وسيادة الوطن. هذا مع إيماني أن الديمقراطية والحوار الوطني هما الطريق الأمثل والأفضل لحل جميع المشكلات في دولة المؤسسات والقانون. * كاتب بحرين
العدد 1225 - الخميس 12 يناير 2006م الموافق 12 ذي الحجة 1426هـ