العدد 1224 - الأربعاء 11 يناير 2006م الموافق 11 ذي الحجة 1426هـ

صحافي ألماني داخل معتقل غوانتنامو

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

ماذا يحدث داخل معتقل غوانتنامو السيء السمعة؟ تقارير منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان وتصريحات معتقلين أفرج عنهم حديثاً أعطت الرأي العام العالمي صورة عما يدور في هذا المكان لكن شتيفان باخنهايمر مراسل إذاعة «صوت ألمانيا» زار المعتقل ونشر ملاحظاته على الموقع الإلكتروني للإذاعة. وفقا لأقواله أمضى باخنهايمر ثلاثة أيام في المعتقل وفرضت عليه رقابة مشددة من قبل مرافقين عسكريين أميركيين.

الفرق بين الجنة والنار سطر واحد. على لائحة الرحلات الجوية كان هناك رحلة إلى جزيرة الجنة ذفْفلىَّم ةٌَّفَل تحمل الرقم وتقلع الطائرة في الثانية والنصف. الرحلة التالية تقود إلى جهنم غوانتنامو، كما يقول المنتقدون، الرحلة رقم تتجه إلى غوانتنامو والإقلاع في الثالثة من مطار فورت لاودرديل إذ يمكن للمرء السفر إلى مختلف مناطق البحر الكاريبي خلال ساعات قليلة. بينما الهدف الذي يحلم به عشاق البحر الكاريبي التوجه إلى جزيرة الجنة أو إلى سانت توماس الأميركية أو أروبة الهولندية أو مارتينيك الفرنسية، فإن هاجس البعض الآخر السفر إلى غوانتنامو. في الشهرين الماضيين تم الكشف أن طائرات تابعة للسي آي أيه استخدمت منذ العام مطارات في أوروبا وأقامت سجوناً سرية وراحت تخطف مواطنين عرب ومسلمين وتنقلهم إلى سجون تقع خارج الأراضي الأميركية إذ لا تكون خاضعة للقوانين الأميركية التي لا تجيز تعذيب السجناء. في الغضون يحقق وكلاء نيابة في إيطاليا وألمانيا باتهامات موجهة إلى السي آي أيه بخطف مواطنين عرب وخرقهم سيادة دول أوروبية علاوة على خرق الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان. في ألمانيا إذ سلطت قضية خطف المواطن الألماني من أصل لبناني خالد المصري الأضواء على هذه المسألة بعد الكشف عن معلومات بتورط وزير الداخلية الألماني السابق أوتو شيلي الذي سكت عن الممارسات غير المشروعة للأميركيين، ان بعض الحكومات الأوروبية تعاونت مع السي آي أيه وأنها تقول نصف الحقيقة حين توحي أنها لم تعلم أن طائرات السي آي أيه كانت تحط وتقلع من مطاراتها حاملة معتقلين عرب ومسلمين.

كثير من الذين كتب عليهم القدر أن يعلقوا ببراثن السي آي أيه انتهت رحلة العذاب في أفغانستان. والأسوأ حظا منهم انتهى بهم الأمر في غوانتنامو. والاسم الأخير هو عنوان لمعتقل يجلس فيه أشخاص من دون محاكمة، ومن دون حق في الحصول على محامي. يصفه تقرير لمنظمة العفو الدولية بتعبير اٌِّفه مثلما كانت المعتقلات الجماعية في روسيا وألمانيا النازية توصف بهذا الاسم. أما صحيفة «نيويورك تايمز» فقد وصفت معتقل غوانتنامو مرة بأنه المكان الذي ساعد تنظيم «القاعدة» في الحصول على مؤيدين جدد.

قيل الكثير عن معتقل غوانتنامو لكن نادرا ما سمح لصحافي زيارة المعتقل والتحدث مع المعتقلين الذين انتشرت صورهم في أنحاء العالم بملابسهم البرتقالية اللون وعلى أفواههم كمامات من الصنف الذي يستخدم لمنع الكلاب من النباح والعض. من يفتح الصفحة الإلكترونية لموقع «صوت ألمانيا» لا بد وأنه يريد إجابة على السؤال القائل: ماذا يحدث في غوانتنامو؟

يقول باخنهايمر في تقريره: وافقت الجهات العسكرية الأميركية على طلبنا بزيارة المعتقل وتصويره وأن نمكث فيه ثلاثة أيام. بلغنا ضرورة العمل بالشروط التي أمليت علينا وهي شروط مشددة، ومنها على سبيل المثال أن يسمح لنا تصوير ما نريده غير أن الجهات العسكرية المسئولة لها الحق في أن نخرج من المعتقل بالصور التي يفرجون عنها وكما قيل لنا، لدوافع أمنية. بعد أن حطينا في كوبا كانت سيارة عسكرية تابعة للجيش الأميركي في انتظارنا. من الساعة وصاعدا أصبحت في رعاية جنود يعملون في قسم العلاقات العامة. منذ لحظة الوصول لم يصرف المرافقون نظرهم عني وفعلوا ذلك فقط حين استقليت طائرة العودة وغادرت أرض كوبا.

المكان الذي نزلت فيه هو مقر للضيافة، موجود في شارع مشابه للشوارع في المدن الأميركية، جهاز الراديو الموجود في صالة الجلوس لا يلتقط أية محطة إذاعية تبث في كوبا لكن عوضا عن ذلك فإن جهاز التلفزيون يحتوي على محطة أميركية. قبل زيارة المعتقل تم تزويدي بما قيل لي أهم الحقائق والأرقام عن المعتقل ووحداته. نسبة في المئة من المعتقلين تعيرهم الاستخبارات أهمية وخصوصاً يمكثون في سجن وتحت إجراءات أمنية عالية. ويخضع من إلى في المئة من المعتقلين إلى العلاج بسبب الإصابة بأمراض نفسية.

أحد الجنود المرافقين راح يتحدث عن مجموعة من الصينيين الذين اعتقلوا داخل أراضي باكستان، وهم ينتمون إلى الأقلية المسلمة في شمال غرب الصين ويعرفون بالإيغوريين. وهذه جماعة معروفة بولعها بالتجارة. جيء بهم إلى غوانتنامو لأن الجيش الأميركي كان يدفع آلاف الدولارات إلى الوردات الحرب في أفغانستان لقاء إرشادهم إلى أتباع ومؤيدي «القاعدة» والطالبان. بعد سنوات تبين إلى الأميركيين أن المجموعة الصينية لم تشارك في المعارك ويجري دراسة الإفراج عن الصينيين الأبرياء. المشكلة أن الصين نفسها لا ترغب بعودة هؤلاء المواطنين لأنها تخشى غضب الإيغوريين والدعوة إلى الانفصال عن الصين بعد الخبرة التي حصلوا عليها من خلال وجودهم في غوانتنامو. إذ إن هؤلاء المعتقلين لن يسنوا في حياتهم ما تعرضوا له من إهانة في المعتقل. وسمعت أحد الجنود الأميركيين يقول ساخرا: ستستفيد منهم الصين حين تبيع أعضاءهم إلى المستشفيات.

ضمن برنامج زيارة المعتقل، لقاء مع حراس السجن الذين يستريحون في «نادي الناجين» وهو عبارة عن مقهى مجاور للسجن يقدم قهوة(ستارباكس). قال أحد الحرس إن المعتقلين يرشقوهم أحيانا بالبول والبراز(الكوكتيل) على حد تعبير الحرس. لا أحد من الحرس ذكر كلمة واحدة عن تعذيب المعتقلين بل يواجه السائل بالحديث عما يسمى (كتاب مانشستر) وهذا كتاب توجيهي لـ «القاعدة» عثر عليه في مدينة مانشستر البريطانية يطلب من المعتقلين مشاكسة حرس السجن.

قال باخنهايمر في تقريره: في المكان الذي قادوني إليه لم يكن بالوسع التأكد ما إذا يمارس فيه التعذيب. المعتقلون الذين تهتم بهم الاستخبارات يجلسون في زنزانات داخل مبنى من الباطون المسلح. وهناك معتقل خاص للمعتقلين المتعاونين لكن المعتقل الذي يبغضه حرس السجن هو الذي يجلس فيه من يوصفون بالخطرين. قال باخنهايمر إنه تبادل النظرات مع بعض المعتقلين، منهم من نظر إلى الكاميرا ومنهم من أدار وجهه لكن أحدا منهم لم ينبس ببنت شفة.

وحدات السجن التي قادوني إليها تشبه وحدات السجون الموجودة في الولايات المتحدة. سمح لي تصوير المطابخ ومستودعات الطعام وكأن إدارة السجن تريد أن تقول للعالم ان المعتقلين يحصلون على رعاية جيدة. أكثر من مرة سألني حرس السجن لماذا تكتب تقارير سيئة عن المعتقل ولماذا يجري تغيير الحقائق؟ ولماذا يجري دائماً نشر صور يظهر فيها معتقلو معسكر إيكس راي (الأشعة) إذ ظروف الاعتقال سيئة للغاية؟ قال الجندي إن هذا المعسكر تم إغلاقه وفي الغضون غزا العشب أرضه. جندي آخر عاد حديثاً من الخدمة من ألمانيا ونقل إلى غوانتنامو تحدث عن ابنته التي تعيش مع والدتها في ألمانيا وقال إنه يعدها دائماً بعدم الإساءة للمعتقلين وقال إن معلمتها الألمانية تعاملها بقسوة لأن والدها يخدم في معتقل غوانتنامو.

يضيف الصحافي الألماني في ملاحظاته، سمح لي زيارة ثانية لمعتقل كامب دلتا، هذه المرة لحضور جلسة تحقيق مع أحد مسئولي الطالبان السابقين. قبل بدء الجلسة أطلعني أحد موظفي وزارة الدفاع الأميركية على أهم التهم الواردة في صحيفة الاتهام الموجهة إلى هذا المسئول. وفقا لما سمعته كان وزيرا للتجارة في حكومة الطالبان ويعتقد أنه مشارك في قتل موظف من الإكوادور كان يعمل في منظمة الصليب الأحمر الدولي. بدأت جلسة الاستماع لأقوال المتهم بحضور لجنة مكونة من ثلاثة ضباط، بطلب المحقق من المتهم ترديد القسم وأن يحلف على القرآن. المفترض أن تبت اللجنة بأن يبقى الوزير السابق في المعتقل أم لا. بطبيعة الحال ليس هناك محامي دفاع. انها ليست محاكمة يعترف بها أحد في العالم.

السجين الملتحي بدا دفاعه بالحديث بلطف وقال: لقد أصبحت عجوزاً وضعيفاً، منذ ثلاث سنوات وأنا هنا فقط لأني كنت وزيرا في حكومة طالبان وأعتقد أنها مدة كافية فقط لأنني شغلت منصب وزير التجارة. أضاف المسئول الأفغاني السابق أن الملا عمر وأسامة بن لادن قررا في العام توحيد قواتهما وليس لي علاقة بذلك لأني كنت تحت الإقامة الجبرية. وعند سؤاله من قبل الضابط ماذا يعتقد سبب وجوده في غوانتنامو؟ أجابه السجين: الأميركيون رموا حجراً بطريقة عمياء وأصابني هذا الحجر. رد أحد المحققين بابتسامة تبعتها نظرة تنم عن الحيرة. ثم ابتسم وزير الطالبان السابق وكأنه شعر أنه هز مشاعر محدثه.

قبل سفر باخنهايمر قال إنه التقط صوراً أخرى لمعتقل دلتا كامب ولاحظ العدد الملفت للنظر لسيارات الاسعاف التي كانت تدخل المعتقل وتغادره على عجل. حين عدت إلى واشنطن بلغني أن وزارة الدفاع الأميركية كشفت عن أرقام جديدة: إذ زاد عدد المعتقلين المضربين عن الطعام وأصبح شخص

العدد 1224 - الأربعاء 11 يناير 2006م الموافق 11 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً