العدد 1224 - الأربعاء 11 يناير 2006م الموافق 11 ذي الحجة 1426هـ

عبدالحليم خدام... تحولات الصورة في الارشيف السوري

في طرفة عين تحوّل من أبوجمال إلى أبوقبح!

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

ربما كان نائب الرئيس السوري السابق عبدالحليم خدام صاحب أكثر الارشيفات الشخصية في سورية ضخامة وتناقضاً، خصوصاً بعد الاضافات الاخيرة التي دخلت إليه عقب انشقاقه عن النظام الحاكم، وتوجهه للانخراط في حركة «المعارضة» السورية الموجودة في الخارج الى جانب معارضين آخرين بعضهم دفعوا إلى المنفى، وآخرين انشقوا عن النظام، وبعض أحب الانتماء الى حركة المعارضة السورية في ظل احتمالات تغيير النظام الحاكم في دمشق.

لعل أهم ما يتصل بخدّام في الارشيف السوري سيرته في نظام البعث، التي بدأت بانضمامه الى البعث، واستمرت بعد وصول البعث الى السلطة في العام ، ما جعل من المحامي الشاب يذهب نحو الانساق الاولى للسلطة الجديدة، فيصير محافظاً لمحافظة حماة أواسط الستينات معايشاً فيها صدامات النظام مع خصومه من أهالي حماة، ثم ينتقل لاحقاً ليصبح محافظاً للقنيطرة، التي احتلها الاسرائيليون إبان توليه المسئولية الاولى فيها العام ، وهو أمرٌ لم يمنع صعود نجم خدام في سلم السلطة وإدارتها، فتولى لفترة قصيرة منصب المدير العام لمؤسسة التجارة الخارجية، وهي أكبر مؤسسة اقتصادية سورية في حينها، قبل ان ينتقل إلى كرسي الوزارة في العام محتلاً منصب وزير الاقتصاد السوري.


بداية الصعود

وبحكم موقعه في السلطة التي كانت تعيش صراعات حادة في داخلها بين التيار «المدني» و«العسكري» لحزب البعث الحاكم، اختار خدام الانضمام الى التيار العسكري مع قلة من الوزراء وقياديي البعث، فكان في عداد المناصرين المتحمسين لخط وزير الدفاع اللواء حافظ الاسد الذي قاد حركته التصحيحية في أكتوبر/ تشرين الأول من العام ، وكان خدام أحد أعضاء القيادة القطرية المؤقته لحزب البعث في سورية، ووزيراً في الوزارة التي ترأسها حافظ الأسد العام ، واستقالت قبيل انتخابه رئيساً للجمهورية في مارس/آذار .

ومنذ العام أخذ نجم خدام في الصعود، اذ اختير وزيراً للخارجية، وهو منصب تولاه لأكثر من سنوات متواصلة، كانت سورية خلالها في قلب حوادث المنطقة الكبرى: حرب العام ، اندلاع الحرب الأهلية في لبنان ، زيارة السادات الى القدس ، المفاوضات العربية - الاسرائيلية، اندلاع الحرب العراقية - الايرانية ، الاجتياج الاسرائيلي إلى لبنان وخروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان . وفي كل هذه الحوادث وغيرها، كان عبدالحليم حاضراً، متنقلاً بفاعليته وتأثيره فيها بين الدور الايجابي والآخر السلبي طبقاً لما كان يتوافق مع مصالح النظام السياسي الذي يمثله وزير الخارجية السوري.

غير ان حضور خدام في الارشيف السوري في تلك الفترة، لم يكن متقصراً على صلته بالسياسة الخارجية، بل امتد الى الداخل السوري بصفته عضواً في القيادة القطرية لحزب البعث وعضواً في القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية، ولم يكن دوره في الاثنتين مجرد شرح وتحليل السياسة السورية وعلاقاتها بالسياستين الاقليمية والدولية، انما كان أيضاً أحد المشاركين في صنع السياسة الداخلية، وهذا من بين عوامل أساسية، جعلت خدام من دون غيره من الرفاق الذين رافقوا حافظ الأسد طوال فترة وجوده في السلطة بمثابة «شريك» للأسد، وليس مجرد موظف على نحو ما كانت البقية الباقية من رموز المرحلة. وربما كان ذلك هو السبب الرئيسي الذي جعل خدام يرتقي منصب نائب الرئيس في سورية بعد العام ، وهو المنصب الذي أمسك فيه بأهم ملفات السياسة الخارجية الساخنة: لبنان، العراق، وفلسطين، العلاقات مع البلدان العربية، العلاقات مع الدول الاجنبية ولاسيما أوروبا والولايات المتحدة وغيرها.


صورة قلمية لخدام

لقد بدا خدام في تلك الحقبة من تاريخه خصوصاً ما بين و رجل السياسة السورية، وأحد أعمدتها، وقد وصفه السياسي اللبناني كريم بقرادوني في كتابه «السلام المفقود» بالاستناد إلى دوره في لبنان بعبارات لا تخلو من فضح في إطار دبلوماسي، وكتب في ذلك يقول: «حفظ من تنشئته القانونية أناقة المحاورة وزهوة البيان، كما أثر انتماؤه البعثي في لغته وسلوكه. فهو يتكلم بمنطق أيديولوجي ويؤمن بالعمل الشعبي وبتنظيم الجماهير. أمانته لحافظ الأسد لا تتزعزع. وهو يحوز على ثقة رئيسه التامة بدليل احتفاظه منذ بمنصبه الدقيق كوزير للخارجية، على رغم أسلوبه الهجومي. إنه أفضل «بياع» لسياسة حافظ الأسد. يبرع في فن التركيز على الناحية التي تجتذب محاوره أو تخيفه. يستعمل سلاح الترغيب أو الترهيب أو الاثنين معاً. يستطيع الدفاع عن الشيء ونقيضه بحسب الظروف والمحاورين. لا يفوته تدبير حيلة أو التملّص من فخ. يقدم في غالبية الاحيان أفكاره بصفة موقتة، ويترك إلى الرئيس السوري حرية اتخاذ القرار المناسب. جريء حتى الوقاحة. متصلّب ومكابر. يبدأ دائماً بالرفض، ويلعب قصداً دور محامي الشيطان ما يتيح إلى رئيسه أن يقوم بالدور الايجابي الطيب».

غير أن مكانة خدام في السياسة السورية، أخذت تتراجع مع أواخر التسعينات مع تقدم بشار الأسد للمشاركة النشطة في السياسة السورية في المجالين الداخلي والخارجي، فتقلّصت اختصاصاته في متابعة الشئون الخارجية وسحبت بعض الملفات الساخنة من يديه، ومنها الملف اللبناني الذي صار في يد بشار الأسد، ولم يغير من طبيعة هذا الوضع تولي خدام منصب الرئاسة السورية بصورة مؤقتة عقب وفاة الرئيس حافظ الأسد في يونيو/ حزيران من العام ، ومشاركته في الخطوات التي أدّت إلى انتقال السلطة من الرئيس الأب الى الرئيس الابن، وغالباً فقد ساهم ذلك في إبقاء خدام في منصبه، وان يكن بصلاحيات أقلّ كثيراً مما حاول خدام تحريكها، وربما كان أهم ما قام به في السنوات الخمس التي عاشها نائباً للرئيس في عهد بشار الأسد أمرين، الأول هجومه الكاسح على الحراك الثقافي والسياسي للمجتمع المدني واتهامه بالارتباط بالخارج، وانه يقود البلاد نحو الجزأرة، التي كانت تعني في رؤية خدام اطلاق حرب أهلية في سورية على نحو ما حدث في الجزائر، وقد انتهت حملة خدام إلى اعتقال عدد من رموز «ربيع دمشق» في العام .

الأمر الثاني في تحركات خدام في السنوات الخمس الماضية، كان تحركه على هامش المؤتمر القطري الأخير لحزب البعث في مايو/ أيار الماضي حين حاول التأثير على بعض السياسات السورية ولاسيما في المجال الخارجي، قبل أن يطلق خبر استقالته من كل مناصبه الرسمية والحزبية، وهو أمر عارضته الرئاسة السورية بشكل مبطن، عندما أعلن الرئيس بعد شهر من ذلك إقالة نائبيه الاثنين، عبدالحليم خدام ومحمد زهير مشارقة، وبذلك صار خدام خارج المكانة الرسمية في الارشيف السوري.


الانتفاع بكرسي السلطة

ولم يكن خدام - مثل كل المسئولين الذين رافقوه - بعيداً عن الانتفاع بكرسي السلطة، فظهرت عليه وعلى أبنائه من حوله آثار النعم في ثروة يقدرها السوريون اليوم بنحو مليار ومئة مليون دولار، إضافة إلى قصرين وعقارات سكنية وتجارية وشركات متعددة الاهتمام يملكها أبناء خدام الذين يحمل بعضهم جنسيات عربية كحال الكثير من أبناء المسئولين السوريين وبعضهم يحمل جنسيات أوروبية وأميركية أيضاً.

لقد تحول خدام بعد إعفائه من منصبه الرسمي إلى شخص عادي في الارشيف السوري، وهو أمر دارج في الحياة السورية. ذلك انه وبمجرد مغاردة أي مسئول لموقعه السياسي والاداري داخل النظام، يصبح شخصاً خارج اهتمام المسئولين الآخرين، بل قد يصير منسياً إلا من أقرب المقربين، وهذا يمكن أن يساعده في الاشراف على أمواله وممتلكاته التي يكون قد جناها في سنوات ممارسته مسئولياته. وقد يضاف إلى ما سبق، حصوله على فرصة تمتعه بوقته وماله في آن، ويبدو أن خدام رغب فيما سبق كله، مضافاً إليه استفادة من موقعه ومسئولياته في السلطة، فأعلن عزمه التفرغ في باريس لكتابة مذكراته، وهو أمر إن حدث وبصورة موضوعية ومدققة سيكون انجازاً كبيراً. ومع سفر خدام إلى باريس قبل أشهر، أخذت ملامح حضوره في الارشيف السوري تتغير، إذ بدأت كلمات هنا وهناك تشير إلى اعتراضات خدام على السياسة السورية، وصار البعض ينقل أقوالاً وأحاديث عن نائب الرئيس المستقيل عن أخطاء السياسة السورية وخصوصاً في لبنان، بدأت مع التمديد للرئيس اللبناني إميل لحود بقرار سوري أواخر العام ، ثم تصاعدت مع اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري في فبراير/ شباط . ثم صعدت حدة الاحاديث، عندما بادر رئيس تحرير صحيفة «الديار» اللبنانية شارل أيوب المقرب من السلطات السورية إلى شن هجوم علني على ثلاثة من المسئولين السوريين السابقين، هم رفعت الأسد وحكمت الشهابي وعبدالحليم خدام، مفرداً للأخير معظم مقالته، ومتهماً إياه بالضلوع في المؤامرة على سورية. وكان هذا أول تحول نوعي في محتوى ارشيف خدام السوري سبق حديثه الشهير على شاشة قناة «العربية» بأسابيع، تردد خلالها ان السلطات حجزت على أموال وممتلكات عبدالحليم خدام في سورية.


وأصبح «أبوقبح»!

لقد فتح حديث خدام لـ «العربية» الباب على مصراعيه من أجل تغيير ملامح عبدالحليم خدام في الارشيف السوري، وكانت أول ردة فعل في هذا الاطار، جلسة عاصفة لمجلس الشعب السوري لم يوفر المتحدثون فيها صفة سيئة، لم يلصقوها به، فنقلوا لقبه من «أبوجمال» إلى «أبوقبح»، واتفقوا بعد اقتراح على نفي صفة السيد عن اسمه، وسردوا قصصاً بشأن ارتكاباته وفساده ومسئولية أولاده عن إدخال النفايات الذرية وطمرها في البادية السورية، قبل أن يخلصوا إلى وصفه بالخيانة، وطلب محاكمته أمام القضاء.

وأضيف إلى ارشيف خدام، قيام قيادة حزب البعث بإعلان طرده من الحزب باعتباره «خان الحزب والوطن والامة»، وان افتراءاته وتلفيقاته جاءت «لتشكل تنكراً واضحاً وفاضحاً للتقاليد والقيم الوطنية والقومية»، على رغم وجوده في عضوية القيادة القومية للحزب، وخطت الحكومة السورية باتجاه إقامة دعوى قضائية على خدام بالاستناد الى عبارات مماثلة لما قيل في مجلس الشعب بحقه من صفات ونعوت.

وقد يكون من أهم تطورات الت

العدد 1224 - الأربعاء 11 يناير 2006م الموافق 11 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً