العدد 1224 - الأربعاء 11 يناير 2006م الموافق 11 ذي الحجة 1426هـ

لبنان... والتسوية الجديدة ()

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حادث بلدة الناعمة على طريق صيدا - بيروت بين مسلحين فلسطينيين (القيادة العامة) وجباة لبنانيين يشير إلى وجود قلق أمني يزعزع استقرار هذا البلد الصغير. الحادث ليس كبيراً ولكن تداعياته السياسية كانت أكبر من المتوقع... وهذا يزيد الوضع خطورة لأنه يذكر بتلك الحوادث الفردية والصغيرة التي تكررت في العام ، وانتهت إلى تفجير الاستقرار في العام .

هذه التوترات الصغيرة التي تترافق مع حوادث تفجير واغتيالات أخذت تحيط بالوضع السياسي وتدفعه دفعاً نحو مواجهات لن تكون في النهاية لمصلحة أي طرف لبناني. ومثل هذه المخاوف تعطي المزيد من الزخم لتشجيع تلك المبادرات العربية التي تريد احتواء التوتر قبل ان يتدهور الوضع وينفجر على تلك الصورة السيئة التي حدثت في ابريل/ نيسان .

لاشك في أن الظروف الدولية والإقليمية والعربية وحتى المحلية اختلفت عن ذاك المشهد السبعيني في القرن الماضي. ولكن عناصر الصورة لاتزال موجودة على رغم اختلاف التعامل معها بسبب حصول متغيرات أعادت تشكيل العلاقات وخلطت الألوان وبدّلت الزوايا.

المتغيرات كثيرة، ولكن العناصر التي أسهمت سابقاً في تكوين صورة المشهد السياسي في لبنان لم تتبدل كثيراً. فكل العناصر موجودة، ولكن أدوات التفجير ليست جاهزة كما كان الأمر في مطلع سبعينات القرن الماضي. وحتى لا يصل لبنان إلى نقطة اللارجوع، لابد من التحرك لضبط الوضع الأمني وتخفيف الاحتقانات السياسية. وهذا ما حاول القيام به الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، وهذا ما تحاول القيام به مصر بعد أن وصلت الأمور إلى شفير التصادم الأهلي. حتى الآن لاتزال معالم الصورة غير واضحة وتحتاج إلى بعض الوقت لتظهر الألوان على حقيقتها وتنكشف شبكة الاتصالات وما رافقها من خطوط متوازية.

الرئيس حسني مبارك يعمل كما يبدو، على إحياء تلك التسوية الثلاثية التي شكلت غطاء المبادرة العربية المدعومة دولياً للتدخل في لبنان في العام . وهذه التسوية التي لم تتضح معالمها حتى الآن تحتاج بدورها إلى قواعد أهلية لبنانية لتأخذ فرصتها من النجاح. فمن دون توافق محلي يصعب التكهن بإمكان تمرير مثل هذه التسوية. كذلك من الصعب تصور نجاح المحاولة المصرية، السعودية، والسورية من دون غطاء دولي يعطيها الضوء الأخضر للمرور.

لبنان تقليدياً لا يصنع السياسية. ولكنه شكل في فترات تاريخية تلك المرآة التي تعكس شبكة العلاقات الإقليمية واتصالاتها مع المواقع الدولية. ومن يريد أن يعرف اتجاهات الرياح السياسية في المنطقة لابد له من مراقبة حركة الاتصالات والتحالفات الأهلية اللبنانية.

لبنان لا ينتج سياسة ولا يقودها بسبب حجمه الصغير، ولكنه يعكس سياسات بسبب تنوع طوائفه ومذاهبه. وهذا التنوع اعطى لبنان ميزة فريدة تشبه كثيراً طبيعته الجغرافية المعقدة وتضاريسه الاجتماعية المتكيفة مع طوائفه ومذاهبه. ومن ضمن هذا التصور يمكن قراءة حركة الاتصالات والتنقلات السياسية العربية والإقليمية والدولية من خلال مراقبة مشهد التحالفات الطائفية والمذهبية والمناطقية وحراكها الاجتماعي - السياسي في هذا البلد الصغير.

التسوية الثلاثية (المصرية، السعودية، والسورية) التي يحاول الرئيس مبارك إحياء عناصرها وتجديد قوتها السابقة لا تخرج عن هذه المعادلة الأهلية اللبنانية. فنجاح مثل هذه التسوية يتطلب استقرارها على قواعد طائفية ومذهبية محلية، وكذلك تحتاج إلى إشارة خضراء تأذن بمرورها دولياً.

الشرط اللبناني هو مجرد مرآة تعكس تلك التوازنات العربية، بينما الشرط الدولي يحتاج إلى مراقبة عناصر نجاحه انطلاقاً من متابعة الملفات الإقليمية المتصلة بالعراق وفلسطين مضافاً إليها الملف النووي الإيراني. فكل هذه العناصر الدولية - الإقليمية تحتاجها التسوية الثلاثية لجعل الفرقاء اللبنانيين أقرب إلى الائتلاف وأبعد عن التنافر والتنابذ. وفي حال توصلت الاتصالات إلى صيغة ائتلافية (توافقية) يمكن القول إن التسوية الثلاثية باتت محتملة النجاح. وفي حال فشلت فمعنى ذلك ان حادث الناعمة (القيادة العامة) سيتكرر حتى تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1224 - الأربعاء 11 يناير 2006م الموافق 11 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً