الجدل الدائر حول دور المعهد الديمقراطي الوطني الأميركي (NDI) ليس حالاً منفصلة عن مجمل القضايا الأخرى التي تشغل بال الساحة البحرينية. فمنذ بدء المشروع الإصلاحي في العام والحديث كان يدور حول إمكان أن تتحول البحرين إلى مركز للنشاط السياسي والثقافي الذي عادة يتوسع عندما تطرح مبادرة سياسية انفتاحية، تماماً كما هي حال المغرب مثلاً.
وعندما تنشط البيئة السياسية والثقافية فإن هناك الكثير من المتطلبات التي تستجد، منها ضرورة توافر الخبرة وتبادل الآراء وانعقاد ورش العمل والمؤتمرات. وهذه الحاجة تلبيها منظمات متخصصة مثل معهد الـ (NDI) وغيرها. فمثل هذه المنظمات بدأت تزداد منذ الثمانينات من القرن الماضي عندما ظهرت مدرسة في أميركا (وأوروبا لاحقاً) تقول إن المساعدات التي تدفعها الحكومات الغربية يجب أن تتوجه إلى الجانب الأهلي؛ لأن الجانب الرسمي عادة يمتص هذه المساعدات من دون فائدة ملموسة. كما أن نشوء مثل هذه المنظمات جاء أيضاً كردة فعل على الاتهامات التي وجهت إلى أميركا، وخصوصاً بأنها كانت تقف وراء عمليات سرية تشمل اغتيالات وممارسات غير إنسانية بحجة مساعدة الحكومات الصديقة، كما كان يحدث في أميركا الجنوبية وأميركا الوسطى وعدد من دول العالم الأخرى. هذه المدرسة الأميركية الجديدة رأت أن تلك الأنشطة السرية كانت مضرة لسمعة أميركا وعادة تنقلب الطاولة على الحكومات التي تحصل على مساعدة أجهزة مخابراتية وسرية وتزداد الكراهية للولايات المتحدة.
وعلى أساس ذلك، فقد نشطت في أميركا منظمات حقوق الإنسان، مثل «هيومن رايتس ووتش» لمتابعة انتهاكات حقوق الإنسان التي تتسبب فيها الإدارة الأميركية، واتهامات حقوق الإنسان الأخرى في أرجاء العالم. كما فرض الكونغرس الأميركي على الإدارة الأميركية أن تصدر تقريراً سنوياً عن حال حقوق الإنسان في كل دولة من دول العالم لكي يستفيد منها المشرعون الأميركان في حال أرادوا محاسبة الإدارة الأميركية بشأن قضية من القضايا. والتقرير السنوي الذي يصدر يعتبر حالياً أحد المراجع التي يرجع إليها الناشطون في حقوق الإنسان، ولكن ما يرد فيها ليس ملزماً للإدارة الأميركية، إلا إذا كان الكونغرس يستفيد من تلك المعلومات في قضية من القضايا أو لتحديد رأي بشأن تشريع ما.
على أساس هذه المدرسة أيضاً تم تنشيط بعض المؤسسات «الوقفية» التي تحصل على أموال من الإدارة الأميركية ويشرف عليها الكونغرس. ومن تلك المؤسسات، الوقف الوطني للديمقراطية (NED). وهذا الوقف الوطني هو أحد الممولين الرئيسيين لـ (NDI) ولعدد كبير من المؤسسات الأخرى داخل وخارج الولايات المتحدة الأميركية.
ونظرة متفحصة لخلفية هذه المؤسسات تعطينا صورة أوضح تساعدنا على تحديد آرائنا ومواقفنا تجاهها. فهناك من يطرح بأن أي شيء يصدر عن أميركا انما هو ضمن «خطة شريرة» تهدف إلى الهيمنة على العالم واخضاع الشعوب للإرادة الأميركية. ووجهة النظر هذه ليست دقيقة لأنها تنظر إلى الأمور على أساس لونين، إما أبيض أو أسود، ولا شيء بين هذين اللونين.
رأي آخر يقبل أن يتعاطى مع هذه المؤسسات لأنها تعتمد على التعاون الثقافي، والمساعدة في الخبرات، وجميعها بصورة علنية وعلى أساس الطوعية. ثم أن يوجد في أميركا من يؤمن بصدق بالديمقراطية والتحرر من القيود التي تفرضها الأنظمة الدكتاتورية، وبعض ثمار هذه المدرسة هو وجود مثل هذه المؤسسات. واذا كنا نبحث عن سبل للتحاور الحضاري، على أساس ان أكثرنا يؤمن بحوار الحضارات وليس بصراعها، فان التعاطي الواعي مع هذا المؤسسات يعتبر خطوة في التجاه الصحيح
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1224 - الأربعاء 11 يناير 2006م الموافق 11 ذي الحجة 1426هـ