من المعاني الكبرى للعيد، هو القيام بالمسئولية، وخصوصاً مسئولياتنا تجاه قضايا الأمة، وفي طليعة هذه القضايا، ما يجري في فلسطين المحتلة من محاولات إسرائيلية مستمرة لمصادرة القضية الفلسطينية، حتى في الوقت الذي يتحضّر كيان العدوّ لإقفال ملفّ أسود من ملفات سفّاح صبرا وشاتيلا وقاتل العرب والمسلمين بلا رحمة آرييل شارون.
لقد لاحظنا كل هذا الاهتمام الدولي بكيان العدو منذ اللحظة التي أدخل فيها شارون إلى المستشفى، وكان الجميع من أميركا إلى الاتحاد الأوروبي يريد أن يبعث برسالة إلى اليهود في فلسطين المحتلة، بأن العالم معهم، وأن وقفة أميركا وأوروبا معهم تجعلهم يستعيدون نشاطهم المعتاد في محاصرة الفلسطينيين والضغط عليهم ومصادرة أوضاعهم ومنعهم من تقرير المصير.
إنَّ الرَّئيس الأميركي يتحدَّث عن شارون كرجل شجاع وكرجل سلام، وكأنه يريد أن يقول للعرب والمسلمين، وللفلسطينيين بالتحديد، إنّ اليد التي تمتد إليهم لتقتلهم هي يد سلام ومحبة، لأنها تملك من الشجاعة ما يكفي لكي تستبيح قتل الأطفال والنساء والشباب، إذ كان شارون في آخر اللحظات التي عاشها قبل أن يدخل في غيبوبة، يوحي بقتل المزيد من الفلسطينيين، ويشرّع تكثيف عمليّات القتل والاغتيال ضدّهم.
إن على الأمة أن تنتبه إلى أنه يُراد للفلسطينيين أن يدفعوا الثمن دائماً لحساب «إسرائيل»، سواء كانت «إسرائيل» في حال راحة أو في حال اهتزاز سياسي، ولذلك فإن الأطراف الأميركية والأوروبية تريد للفلسطينيين في هذه المرحلة أن يضبطوا حركتهم على إيقاع الوضع السياسي والأمنيّ الإسرائيلي، لتستفيق «إسرائيل» في نهاية المطاف من غيبوبتها السياسية والأمنية، وتعود إلى قدرتها وقوتها بعد الانتخابات، وترسم حدوداً جديدة للوضع الفلسطينيّ برمته، إذ يتواصل جدار الفصل، ويتواصل الاستيطان، ويتواصل تهويد القدس... لذلك، على الأمة أن تتحمَّل مسئولياتها تجاه الشعب الفلسطيني، لتدعمه بكل ما تستطيع، ولتفكّ عنه طوق الحصار بكلِّ إمكانّاتها المادية أو السياسية أو ما إلى ذلك.
كذلك ثمة مسئوليات كبرى تقع على عاتقنا جميعاً في ما يخص أهلنا في العراق، وما يواجهونه من هذه الوحشية في استهداف المؤمنين في المواقع الدينية، أو استهداف المدنيين في الشوارع بما لا يقبل به شرع ولا قانون، وبما لا يمكن أن يُحسب على مقاومة، لأن شرف أية مقاومة يتمثل في احترام أهلها، وفي استهدافها الاحتلال، وفي عدم الانجرار وراء الفتنة الطائفية التي نعرف بأن الاحتلال يريدها أن تنطلق هناك في العراق، ليغطي بها انسحابه وفشله ومأزقه.
إننا نؤكّد أنّ على الشعب العراقي بكل أطيافه، أن لا ينساق وراء دعوات الفتنة، كما نؤكّد أنّ على المسلمين الشيعة أن يعضوا على الجراح، لتكون كلمتهم هي كلمة علي(ع): «لأسلمنَّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن بها جورٌ إلا عليّ خاصة»». ونريد من كل فئات الشعب العراقي، أن تعمل على لمّ الشمل الداخلي، والانخراط في العملية السياسية، على أساس وحدة سياسية شاملة ترسم الخط الواضح في رفض الاحتلال وممارساته، ورفض التكفيريين وجرائمهم واعتداءاتهم.
أمّا في لبنان، إذا يثار اللّغط الداخلي في المواقف التي يتخبّط فيها أصحابها وسط كل هذا الضجيج السياسي الذي لا يرتكز إلى قاعدة في الحكم على الأشخاص والمواقع، فإنّنا نريد للّبنانيين ألا يستغرقوا في التصريحات الداخلية التي قد تظهر صورة غير واضحة عما هي عليه حقيقة الأوضاع الخارجية، لأننا نعرف أنّ ما يُرسم في الخارج يختلف عما نسمعه في الداخل، وأن ما يكتب وراء الكواليس يختلف كثيراً عمّا يقرأه النادي السياسي اللبناني في العلن وأمام الناس.
لذلك نريد لأهلنا أن يلتفّوا حول مقاومتهم الشريفة التي صنعت لهم واقع العزة، وأن يلتحفوا برداء الكرامة والإباء، وألاّ يتركوا المجاهدين، وأن يعملوا على تعزيز وحدتهم الداخلية، فهي مصدر قوتهم وصمودهم وانتصارهم في نهاية المطاف.
عالم دين لبناني، والكلمة ألقاها نيابة عن السيد محمد حسين فضل الله بمناسبة
العدد 1223 - الثلثاء 10 يناير 2006م الموافق 10 ذي الحجة 1426هـ