العدد 1223 - الثلثاء 10 يناير 2006م الموافق 10 ذي الحجة 1426هـ

جنبلاط مُفَكَّكاً

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم أجِد تشريحاً لشخصية النائب وليد جُنبلاط أبلغ مما قاله وزير الداخلية اللبناني السابق سليمان فرنجية عندما قال: «وليد بيك هو أشبه بالصندوق المملوء بالألعاب ومُجسّمات الحيوانات... تستطيع أن تستخرج منه ما تريد... وجه أرنب أو وجه دب أو حتى ضفدع». الوصف وإن بدا فكاهياً إلاّ أنه مُلائمٌ جداً لحركة جنبلاط السياسية والإعلامية، فالأخير كفصول السنة المتغيّرة لا يلجأ إلى ركنٍ وثيق لا في مبادئه ولا في تحالفاته، سابقاً كان حليفاً قوياً لدمشق التي مكّنته في وزارة المهجّرين اللبنانية طيلة عشر سنوات من موازنة تفوق المليارين ونصف المليار دولار ودعمته لنيل الكثير من الوزارات في محطات مختلفة، ثم انقلب عليها كأنه غريم قديم، واصفاً وجودها في لبنان بأنه احتلال، ثم عارض غزو العراق واحتلاله مُعتبراً ذلك عودة لثقافة الاستعمار في عالمنا العربي، إلاّ أنه فاجأ الجميع عندما أكّد إلى الصحافي ديفيد اغناسيوس من الـ «واشنطن بوست» أنه «إذا كان بوش يَعتَبِر لبنان أحد إنجازاته الكبرى، فالآن حان الوقت لحمايته» وحين سأله الصحافي عما يريده من الولايات المتحدة الأميركية أجاب «لقد أتيتم إلى العراق باسم حكم الأكثرية، لذلك فإن بإمكانكم فعل الشيء ذاته في سورية»، ثم زار طهران مُقدماً لها الشكر على دعمها للمقاومة وتحرير الجنوب اللبناني إلاّ أنه عاد واتهمها باتخاذها لبنان ساحة لمناجزة غُرمائها الأميركان والإسرائيليين قائلاً «إننا لا نريد أن نكون هنا متراساً للمفاعل النووي الإيراني»، وكان حليفاً قوياً لحزب الله حتى قال إنه في حمايته مادامت حياته في خطر، ثم عاد وانقلب عليه في أحلك ظرف يمر به الحزب قائلاً إن حزب الله «يُبقي مزارع شبعا من أجل المزايدة باسم القومية، وباسم النضال ضد الصهيونية» وعليهم أن يثبتوا ولاءهم لمن؟! بل ذهب أكثر من ذلك عندما عارض الحوار الجاري بين سعد الحريري والسنيورة من جهة ووفد من حزب الله في مدينة جدة السعودية، ثم بدأ بإطلاق حربه الإعلامية التحريضية على الفلسطينيين في المخيمات بلبنان، ماخِراً كراية حرب في معارك الآخرين ضدهم في هذا الوقت العصيب الذي تمرّ به أوضاع الفلسطينيين في الشتات، وهو يعلم أنه وخلال معارك الجبل إبان الحرب الأهلية اللبنانية دافع الفلسطينيون عنه بألف شهيد من خيرة أبنائهم وبالذات قيادتا أحمد جبريل وفتح الانتفاضة، ثم تكلّم بشكل ممل عن الاغتيالات وضرورة محاكمة القتلة والمجرمين، ونسي ما فعله بالعائلات المسيحية التي ذُبِحَت في قرى الجبل، ومقتل حبيب كيروز وناظم قادري، والملازم محمود الشامي وكتيبته.

الغريب أيضاً أن جنبلاط بدأ في رفع شعارات الوحدة الوطنية ومغازلة سمير جعجع وميشيل عون اللذين قاتلهما بحد السيف، ونحن نعلم أن هذه الرسائل لا تعدو كونها جولة من جولاته المتعددة، وخصوصاً أن العمل بالقضاء كدائرة انتخابية، ستجعله مُضطراً لحسابات بينية مع قوى أخرى، أهمها القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، وهو بالتالي يودّ أن يكون شريكاً صعباً يريد أن يحصل على كل شيء ولا يترك لشركائه بعده كثيراً أو قليلاً. إن جنبلاط ومعه الأكثرية من تيار المستقبل تحكم لبنان سياسياً وأمنياً واقتصادياً منذ سيطرتهم على المجلس النيابي، إلاّ أنهم ما زالوا يتحدثون بلغة إعلامية وسياسية ضد سورية وكأنها مازالت في لبنان، والحقيقة أن سورية ليست في لبنان، بل المخابرات الأميركية والبريطانية والفرنسية والموساد هم الموجودون في لبنان، بل إن حتى حلفاء سورية في لبنان إمّا أنهم لازمو الصمت أو أنهم يتحركون بحذر جرّاء الظروف الصعبة التي يمرون بها. جنبلاط الذي لا يبرح المختارة خوفاً على حياته، لم يعد قادراً على كسب التأييد من أحد حتى من حلفائه، بل وحتى من طائفته الدرزية، وقد اعتبره جبران تويني قبل اغتياله خطراً على تحالف مارس/ آذار نظراً إلى جره الأمور إلى حيث يريد ومن دون قراءة واقعية لما يجري، والأميركيون كذلك لم يعودوا واثقين به إلى الحد الذي يريد، بل إنهم فضلوا مار نصرالله صفير عليه باستقبالهم إياه في البيت الأبيض، وهو ما يعني أن الرجل سيبقى في ضباب السلطة خديجاً، وخطابه كصوت سوق الصفّارين ملّ منه الجميع

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1223 - الثلثاء 10 يناير 2006م الموافق 10 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً