العدد 1223 - الثلثاء 10 يناير 2006م الموافق 10 ذي الحجة 1426هـ

لبنان... والتسوية الجديدة ()

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

لبنان بحاجة إلى تسوية داخلية جديدة. وهذه التسوية لا يمكن أن تستقر من دون أخذ العلاقات السورية - اللبنانية في الاعتبار. فالمشهد اللبناني في النهاية لا يمكن عزله عن الاطار الاقليمي - العربي العام وإلا تعرضت الرؤية للتشويش وفقدت الصورة الكثير من عناصرها في حال عزلت تلك المؤثرات.

هذا الواقع الجغرافي - السياسي لا يمكن تغييره بسهولة أو القفز فوق مؤثراته أو استبعاده من عناصر التسوية اللبنانية التي كما يبدو يعاد إنتاجها في ضوء تلك المتغيرات الدولية والاقليمية والعربية التي طرأت على المنطقة منذ العام .

العالم في العام لم يعد كما كان عليه قبل سنة حين أنتج التحالف الثلاثي (المصري، السعودي، السوري) تلك التسوية العربية لضبط انفلات التوتر الأهلي الذي كاد ان يطيح بالكيان السياسي بسبب الاحتراب اللبناني المدعوم فلسطينياً.

التدخل الفلسطيني (أو التورط) استدعى آنذاك التدخل الاسرائيلي. كذلك ادى التوغل الاسرائيلي في الشئون اللبنانية الداخلية لمخاوف سورية استدعت تحريك الجبهة العربية لاحتواء ذاك الانزلاق نحو حرب قد تستدرج المنطقة إلى مواجهات اقليمية.

هذه الصورة لم تعد موجودة كما كانت في العام . فهناك الكثير من العناصر السياسية تغيرت، إلا أن المواقع الجغرافية لم تتعدل فهي لاتزال وستبقى على حالها. وهذه الحقيقة الجغرافية هي من الثوابت التي تفرض شروطها السياسية على كل محاولة لإعادة انتاج تسوية جديدة للمسألة اللبنانية.

ومن هذا الواقع تحركت مصر مجدداً على خط الثنائية السورية - السعودية لإعادة تركيب عناصر صورة التسوية من دون اسقاط لتلك المتغيرات التي حصلت على مختلف المعادلات الدولية والاقليمية والعربية. ولهذه الاسباب لن تكون تسوية العام نسخة مكررة عن تلك التي انتجت في العام .

هناك الكثير من التعديلات طرأت على المستويات البعيدة والقريبة. وهذه التعديلات في مجموعها العام لابد من اخذها في الاعتبار لتشكيل تسوية واقعية ومقبولة من مختلف الاطراف اللبنانية والعربية والاقليمية برعاية دولية اميركية - اوروبية.

هناك إذاً عناصر جديدة دخلت على خط التسوية اللبنانية الجديدة وهي تنقسم إلى اسباب بعيدة واخرى قريبة.

الاسباب البعيدة هي المتغيرات الدولية وخروج الاتحاد السوفياتي من المعادلة وعودة روسيا الاتحادية إلى الساحة في اطار ضوابط تتحكم بشروطها الولايات المتحدة. كذلك هناك خط التنافس الاميركي - الاوروبي لوراثة «النظام العربي» الذي تعرض لضربات احدثت زعزعة في توازناته منذ تسعينات القرن الماضي.

يضاف إلى هذا التنافس ما يمكن وصفه بالتزاحم الاوروبي - الاوروبي على استعادة ما فقدته الدول الكبيرة من مواقع جغرافية - سياسية بعد سقوط «الرايخ الثالث» في نهاية الحرب العالمية الثانية.

هذه الشبكة من العلاقات والتداخلات والتنافسات على المستوى الدولي تعرضت بدورها لاهتزازات في العام ظهرت ملامحها في تلك الحروب العدوانية التي قادتها إدارة أيديولوجية متطرفة في واشنطن اسفرت عن احتلال افغانستان ثم العراق مثيرة سلسلة اضطرابات أمنية وفوضى سياسية هددت استقرار دول الجوار وهزت شبكة اتصالاتها الاقليمية.

هذه المتغيرات الاقليمية وهي في مجموعها تشكل تلك الاسباب القريبة اسهمت في تحريك ملفات تعود إلى العام وفي طليعتها الملف اللبناني. وما حصل في لبنان منذ طرد الاحتلال في العام وصولاً إلى خروج القوات السورية في العام يتصل بتلك المتغيرات الدولية والاقليمية والعربية التي طرأت على المنطقة. فمصر لم تعد خارج المعادلة وإيران دخلت على خط توازنات المنطقة وأصبحت من تلك الارقام الصعبة التي يمكن أن تلعب دورها في تثبيت أو تعديل حالات سياسية بدأت تظهر في الساحات العربية.

لهذه الاسباب البعيدة والقريبة تحركت مصر على خط الثنائية السورية - السعودية بهدف احتواء تداعيات انهيار العلاقات اللبنانية الداخلية واتصالها إقليمياً بالملفات الساخنة من فلسطين وصولاً إلى العراق وإيران.

المشهد اللبناني إذاً لا يمكن عزله عن اطاره الاقليمي - العربي العام، ولذلك لابد من توقع ظهور تسوية جديدة غير متطابقة بالضرورة مع تلك التي انتجت في العام ولكنها ايضاً لن تكون بعيدة جداً عن ملامحها

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1223 - الثلثاء 10 يناير 2006م الموافق 10 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً