لاتزال الحياة ترمي بثقلها الكبير والظالم على بناتنا، فكانت قبل فترة هي الأم وهي المربية للأطفال وهي الطاهية في مطبخها للعائلة وهي العاملة في النخل والمزارع وجز البرسيم والحشائش لحيوانات المنزل من غنم وأبقار وهي اليوم تطرق أبواب المستقبل من كل جوانبه وتدخل معترك الحياة ولا تجد ميداناً من ميادين حياتنا إلاّ وهي سباقة إليه، فشغلت التدريس والتمريض والطب والمحاماة والإدارة والأعمال المكتبية وحتى التجارة والصناعة، وتتحدث الأرقام عن مصانع النسيج والملابس وهي تدار بعنصر نسائي فقط وعلى رغم تحسن صورتها وحظوظها في كل ميادين الحياة فإن المجتمع ينظر إليها كامرأة في هذه الحياة، ولا ينظر إليها كموظفة مثالية استطاعت بجدها ومثابرتها وإخلاصها أن تتغلب على أقرانها وزملائها. ولقد استطاعت حتى في الجامعات أن تحقق المعدلات العالية وتتربع على لوحات الشرف في شتى فروع التعليم، لتثبت أنها الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاهله، فالامتحانات التي تجرى على المستوى الوطني للمملكة تبوأت فيها البنات المراكز المتقدمة، وحازت نسب النجاح المرتفعة. ولكن النظرة الدونية تجاهها لها موروث تاريخي ورثناه من آبائنا وأجدادنا، إذ يعتبر بعضهم المرأة لباساً يلبس ويمكن انتزاعه متى شاء وأراد. ومازالت هذه النظرة الدونية تراود بيوتنا، فالكثير من منازلنا يفضلون الذكر على الأنثى، فيعطى الحصة الأكبر دون سواه، وتلبى له المطالب والرغبات، وتنجز له المواعيد والحاجات، وربما تثور ثائرته لأتفه الأسباب، فيبادر الوالد والوالدة بتهدئته وتلبية مطالبه. وفي زاوية أخرى في هذا البيت تكابد البنت همومها، التي لا تكاد تبديها حتى على العزيز والقريب من قلبها، كل ذلك بهدوء وصبر.
ولعل الخجل الذي يلفها يجعلها لا تنبس ببنت شفة، ولا تطلب ما يجول بخاطرها، وتتماشى هذه النظرة معها من الطفولة حتى الكبر، ومن البيت الصغير حتى المجتمع الكبير. وثمة هناك أمر يثير الاستغراب، فالمرأة التي أصبحت قادرة على تكوين نواة وحدة وكيان لها، ومارست أنشطة متعددة اجتماعية وثقافية وغيرها، وانخرطت في العمل السياسي لتكمل الحلقة جنباً إلى جنب مع الرجل، لاتزال تشعر بعدم الأمان والقلق حين تدق ساعة الصفر في أي ترشيح وانتخاب يجمع الجنسين. وهذا ما نراه في الوجوه المتكرّرة والقابضة على زمام الأمور في الجمعيات السياسية، إذ إن المرأة نفسها تفضل ترشيح الرجل دون المرأة، ويؤيد هذا ما أفرزته القوائم التي فازت في مجلس النواب الحالي للدورة السابقة، على رغم وجود الكثير من الوجوه النسائية. فمجتمعنا وإن غض الطرف للمرأة وأسدى لها الاحترام والتقدير ونظر إليها بعين الرضا، فإنه لايزال مجتمعاً ذكورياً حتى النخاع
العدد 1222 - الإثنين 09 يناير 2006م الموافق 09 ذي الحجة 1426هـ