أكثرنا مقتنعون بأنه في النهاية ستكون هناك فروقات في الإمكانات والثروة بين الأفراد والجماعات... والحركات التي سعت الى القضاء على الفروقات وخلق المساواة المطلقة فشلت فشلاً ذريعاً، وأفضل مثال على ذلك الشيوعية التي لم يستطع من حاول تنفيذها على الأرض القضاء على الفروقات بين الناس.
غير أن ما يطالب به الإصلاحيون في أنحاء العالم هو المساواة في الفرص، بمعنى أن المواطن يجب أن يحصل على الفرص نفسها في امكان التعليم والصحة والتقدم إلى الوظيفة والحصول على مشروع وغيرها، ويترك الباقي للكفاءة لتحدد من يرتفع درجات عن غيره. وبالتأكيد فان هناك الإرث المشروع الذي ينتقل من الآباء الى الأبناء، وهو ليس محل خلاف مادام ان الثروة استحصلت عبر الطرق الحلال والقانونية.
ولعلنا، ونحن نعيش في أجواء عيد الأضحى، نستذكر أن هناك فوارق بدأت تزداد بيننا في البحرين، وهي تحدث لأسباب لا علاقة لها بالكفاءة، فالمشكلة هي أن هناك فرصاً لأناس محدّدين فقط، وهذه الفرص يحرم منها آخرون لاعتبارات الحسب والنسب. ثم ان هناك التدخل لرفع شأن أشخاص وجماعات ومؤسسات على حساب غيرهم عبر استخدام وسائل وإمكانات النفوذ المتوافرة للبعض. وهذا يعني أننا لا نشجع على ثقافة السعي الحثيث من أجل النجاح، لأن عدداً غير قليل من الذين يحصلون على الثروات الكبيرة والدرجات العالية في الدولة أو الاقتصاد انما يحصلون عليها عبر وسائل بعيدة كل البعد عن مفهوم التساوي في الفرص.
مثل هذه الفروقات تخلق ثقافة «المنتصرين مجاناً» مقابل «الخاسرين حتماً حتى لو جدّوا واجتهدوا»... ولأننا في عيد الأضحى، فاننا نستذكر ان نبي الله ابراهيم (ع) كان على استعداد للتضحية بابنه من أجل المبادىء، واذا أردنا شعباً يضحي أفراده من أجل الوطن فإن أقل ما يقدمه اليهم الوطن هو المساواة في الفرص.
المساواة في الفرص تفترض ان تكون الدولة محايدة، بمعنى أن الجميع يستظل بظلها، والجميع يحصل على ما يستحقه على أساس المساواة، وان الدولة لا تكون طرفاً (سواءً كان ذلك علانية أو خفية)، ضد أو مع مواطن أو مجموعة أو فئة ما، فالجميع يجب أن يكونوا سواسية من دون أية اعتبارات للون أو الأصل أو المذهب أو القبيلة أو المنطقة. هذا المفهوم لم يعد صعب التحقيق، لأن أكثر البلدان التي تنمو وتتقدم أصبحت لديها آليات لحفظ التوازن وضمان المساواة بين أفراد المجتمع.
في سنوات «أمن الدولة» دخلت الدولة طرفاً في كثير من الأمور، حتى المشروعات التجارية لم تسلم من تدخل مع طرف، أو ضد طرف. فاذا كان هناك مجمع تجاري لشركة خاصة، تقوم الدولة بمنافسة ذلك المجمع، وتصبح طرفاً مباشراً ضد مواطن أو مجموعة من المواطنين، وهو أمر يناقض مفهوم العدالة، ويناقض مفهوم الدولة الحديثة. وبعد انطلاق مشروع الاصلاح في العام ، فان الكثيرين من الناس كانوا (ومازالوا) يأملون في ان تبتعد الدولة عن مثل هذه الأمور، لأن الاصلاح يفترض أن تتغير أساليب الماضي. ولكننا مازلنا من دون آليات، ومازلنا نفتقد الشفافية لمعرفة كيف يتم تصعيد شخص أو فئة أو مجموعة بصورة فجائية، بينما هناك من يكدح ويتعب (وهم الأكثرية الساحقة) ولكن لا يصلون إلى ما يصل اليه البعض.
في عيد الأضحى نستذكر اننا نضحي لمبادئ أسمى ونستعد لتقديم الغالي والنفيس من أجل ما نؤمن به، وبلا شك، فإن الدين والوطن والعائلة وغيرها من المكوّنات الوجدانية للانسان تستحق كل تضحية، ووطننا يحتاج إلينا ونحتاج إليه، والدولة يجب أن تمثل إرادة الوطن، وهذه الارادة تنبع من المواطن، الذي يستحق أن يحصل على حقوقه كاملة وأن تفسح له الفرص على أساس المساواة في الفرص
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1222 - الإثنين 09 يناير 2006م الموافق 09 ذي الحجة 1426هـ