الفرق بين النجاح والفشل أو بين النمو والركود غالباً ما يعتمد على الطريقة التي نجند ونعالج بها الموارد؛ من البشرية إلى المواد الخام. والإدارة تصنيفاتها شتى ودوام التطور. ففي القرن الماضي ظهرت عدة نظريات ومدارس فكر عن طرق الإدارة؛ مثل الإدارة عبر الأهداف التي وضعها «بيتر دركر». وأصبح تقليدياً بأن نصنف الإدارة على شكل ست فروع وهي: - إدارة الموارد البشرية، إدارة العمليات، إدارة الاستراتيجية، إدارة التسويق، إدارة الأموال، و إدارة نظم المعلومات. ولكن كما فترت فكرة دركر للإدارة عبر الأهداف، نرى أن الاتفاق مع تقسيم الإدارة بهذه الفروع الست التقليدية بدأ يقل. فالكثير من عمليات الشركة تعتمد على عدة فروع في آن واحد وبدأ التفكير الإداري ينحني نحو نظرة متركزة على العمليات المختلفة والعوامل التي تتأثر وتؤثر على هذه العمليات. ومن أهم هذه العوامل التي تلعب دوراً كبيراً في ما إذا كانت اللإدارة مسايرة مع الواقع وفعالة هي تلك التي تتعلق بالموظفين.
للحصول على منظور أوسع للعلاقة بين المدير والموظف نحتاج لمراجعة التاريخ. نجد أن بعض الباحثين في مجال الإدارة يعودون إلى سامراء ومصر الفرعونية، إذ كانت العبودية سائدة، والعلاقة بين رب العمل والعامل لا تزيد عن تلك التي يحاول فيها الأول حث الثاني على متابعة العمل بإتقان وبحسب ما هو مطلوب؛ على رغم وجود جو من التمرد في بعض الأحيان. والتمرد لا بد منه حتى ولو لم يكن أمام العبد أي خيار اخر بكونه معتمداً كلياً على صاحبه لتوفير ضروريات المعيشة. والتمرد ليس فقط ذاك الذي يعني عدم العمل والتهرب من الواجب. بل هو أيضاً اللا مبالاة الناتجة عن الشعور بالضياع وعدم التمكن من استيعاب متطلبات العمل. والمضاد لهذا الشعور في معظم الأحيان في تلك الأزمنة القديمة هو ترسيخ العمل بالعبادة.
أما اليوم، فلا يجوز أن نحاول إقناع الموظفين ومنعهم من إهمال عملهم عبر التبرير الديني. ولكن يمكننا أن نعتمد على نظرة أكثر تناسباً مع الزمن الذي نعيش فيه. زمن نجده منحنياً نحو نظرة ديمقراطية بدلاً من دكتاتورية )وربما أكثر تقرباً من مفاهيم ديننا الحنيف(. فنجد بعض الإدارات منعزلة عن الموظفين، تحاكيهم فقط عبر أوامر لا قابلة للنقاش. للأسف، هذه الطريقة لا يمكنها أن تعزز «ثقة التفاهم» التي يمكنها أن تؤدي إلى نجاح و نمو المؤسسة، وتحويلها من شركة معتمدة على تفكير إداري أحادي إلى تلك التي تعتنق التفكير الجماعي الذي يلمس كل خطوة من خطوات العمليات المقام بها.
على رغم أن الموظف ينفذ المطلوب لتحقيق أهداف الشركة، هنالك من الإداريين الذين لا يحاولون الأخذ والعطاء المؤدي إلي وعي أكبر عن الطرق المتوافرة للعمل وتحقيق الأهداف. ففعالية العمل في نهاية الأمر تعتمد في الكثير من الأحيان على التفاهم بين المدير والموظف. قد تكون نظرة المدير صحيحة ولكن إذا لم توضح وتناقش مع الموظف يمكن الموظف )أوالمنفذ( أن يقوم بتنفيذ الأوامر بكفاءة أقل ولا مبالاة. أم في حال وجود حوار بين الجانبين، يمكن استنباط طريقة أفضل، أو في أبسط الحالات: تفهم وتوافق الموظف مع الإدارة.
في نهاية الأمر، العلاقة بين الإدارة والموظف نوعاً ما دائماً ديمقراطية. فلا بالضرورة أن يعترض الموظفون على قرارات الإدارة «التسلطية«، ولكن يمكنهم التصويت عبر مدى إخلاصهم وإتقانهم في التنفيذ. ونرى بأن من أفضل الشركات المدارة هي تلك التي تحتضن نظاماً إدارياً شاملاً غير مقتصر على أراء «النخبة» فقط، والقائمة على بيروقراطية متزنة، تربط بين شتى طبقات الإدارة والموظفين
العدد 1221 - الأحد 08 يناير 2006م الموافق 08 ذي الحجة 1426هـ