مسرحية هزلية تلك التي طالعتنا بها صحف أمس، ناقلةً حوادث الخلافات الدائرة بين رئيس قسم الطوارئ والأطباء في إدارته التابعة لوزارة الصحة، والتي لا تثير الاستغراب فحسب، بل تدعو المرء للتأمل في حوادث وممارسات سابقة صدرت عن أطباء حملوا على عاتقهم رسالة إنسانية نبيلة، فضيّعتهم الخلافات، وأضاعت صوابهم.
ذكرتني تلك الحوادث، التي جرت في وزارة همها الحفاظ على صحة المواطنين، والسهر على راحتهم، بحوادث كثيرة سبق أن تجمع فيها أطباء ضمن أحزاب و«لوبيات»، ضد مسئول ما هنا أوهناك، بهدف إسقاطه، أو هزّ صورته لدى الموظفين.
وجماعات أخرى من الأطباء، عانت ومازالت تعاني سيطرة وفساد بعض المسئولين، وتجبّرهم، ورغبتهم اللامحدودة في فرض الرأي بالقوة، متناسين في النهاية أن الهدف الرئيسي للطبيب هو إيجاد «العلاج» وليس «تعقيد الحالة الصحية».
وفي هذا الجانب، يبدو لنا قسم الطوارئ، الذي كان ولا يزال بحاجة إلى طوارئ، ضاجاً ثائراً بخليط من الأصوات، فبين تأوهات المرضى وصرخاتهم، علت أمس صرخات أطباء الطوارئ أنفسهم، بتصريحات «نارية» تتبادل الاتهامات، بشكل يدفع للضحك على طريقة المثل القائل «شرّ البلية ما يضحك»، لأن ما يحصل «بلية حقيقية» وتعبير واضح عن تخبط في القسم، ومشكلات ذات جذور، وصلت حد التأزم، بحيث أصبحت الحالة «طارئة» وتحتاج إلى إسعاف سريع!
ومن دون الدخول في تفاصيل تلك الخلافات، ومن المخطئ فيها ومن المصيب، ومن الذي يتحمل اللوم الأكبر، ربما يجدر بالمتأمل أن يضع نفسه لمرة واحدة في موقع وزيرة الصحة ندى حفاظ، التي تسلمت حقيبة وزارية تعج بمشكلات ذات جذور بعيدة وخطيرة. وأحزاب وجماعات تشكلت، ومازالت تتشكل، وأطراف تسعى لمصلحتها الخاصة، وأطراف أخرى تسعى للصالح العام، وأطراف تريد الإصلاح، وأخرى تقاومه.
حفاظ في مأزق منذ تسلمت الوزارة، وتتضح أبعاد هذا المأزق يوماً بعد يوم، فلم تعد المشكلات تأتي من المواطنين فحسب، ولم يعد المرضى هم مصدر كل شكوى تصل إلى «مكتب شكاوى المرضى» ويحاول موظفوه حلها بالترغيب والإقناع. لقد أصبحت الشكاوى ترفع من الأطباء أنفسهم، وتفضح أموراً، لو صحت، فستكون بداية خيط يجر وراءه موضوعات كثيرة أخرى لا تكاد تخفت حتى تظهر مرة أخرى للعيان، مفصحة عن خلل إجرائي كبير حدث في وقت ما، بفعل شخص ما، ومازالت تبعاته قائمة ونتائجه متوارثة.
كان الله في عونك يا حفاظ لمواجهة كل ذلك
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1221 - الأحد 08 يناير 2006م الموافق 08 ذي الحجة 1426هـ