هل كان عبدالحليم خدام عميلاً نائماً داخل النظام السوري طيلة أربعين عاماً؟ أم أن الرجل قد راهَقَ سن الرشد بعد دخوله الثالثة والسبعين من العمر وهو متوسط أعمار الحُكّام العرب؟ كيف لي أن أفهم ما قاله خدّام من حديث مُسهَب عن ضرورات دمقرطة الدولة والحزب في سورية وهو القائل لناشطي ربيع دمشق إن سورية لن تسمح لكم «بتحويلها إلى يوغسلافيا أو الجزائر»! ثم تصريحه في يوليو/ تموز بعد التصدي لظاهرة منتديات المجتمع المدني عندما قال: «جَرَّبَ الأوروبيون الديمقراطية الحقيقية فقط بعد تلبية الحاجات الاقتصادية للمواطنين... وبما أنه ليس هناك نضج اقتصادي في سورية فلا يمكن أن يكون هناك ديمقراطية»!
ثم كيف لي أن أفهم تحامله النزق على الرئيس بشّار الأسد، وهو الذي وقّع مرسومي التعديل الصادر عن مجلس الشعب السوري بخفض سن رئيس الجمهورية لتلاءم سن الأسد الابن، باعتبار أن الفقرة الرابعة من المادة تنص على أن يناقش المجلس اقتراح التعديل، فإذا أقره بأكثرية ثلاثة أرباع أعضائه، اعتُبِر التعديل نهائياً شريطة اقترانه بموافقة رئيس الجمهورية؛ والآخر بترقية الرئيس بشار الأسد من عقيد ركن إلى رتبة فريق، وتعيينه قائداً عاماً للقوات المسلحة السورية.
ثم كيف لي أن أفهم قول خدّام إن نصف الشعب السوري هو تحت خط الفقر، داعياً إلى مكافحة الفساد المستشري في سورية ونحن نعلم أن ثروة خدام وعائلته تفوق المليار ومئة مليون دولار معظمها خارج البلاد، بينها قصر في شارع فوش بإحدى ضواحي فرنسا، وقصر ثان باسم زوجته نجاة مرقبي في مدينة نيس الفرنسية، وقصر ثالث في مدينة بانياس مع مرفأ خاص تحت قلعة المرقب، وقصر رابع في بلودان، وشقة فخمة في منطقة عين المريسة في بيروت ويختين فخمين. بل الأكثر من ذلك فقد امتدت ثروته لتطال المطاعم والمجمّعات التجارية في سورية، مثل مطعم مونتانا، ومجمع تجاري في حرستا، ومحلات المحافظة شرقي كورنيش التجارة، ومحل ألبسة (ريم) الذي تُوَرَّد إليه البضاعة من فرنسا مباشرة من غير رسوم جمركية، مع سلسلة محلات باتشي لبيع الشوكولاته في أحياء المزة وأبورمانة والقصور، ومكتب تجاري في شارع المهدي بن بركة، وبناء على أتوستراد المزة خلف السفارة السعودية يقيم فيه ولداه جمال وجهاد، ومنزل في حي المالكي، ومجموعة شركات تصدير في إحدى دول الخليج، ومجلة فنية تصدر في لبنان بإشراف زوجة ابنه جمال حنان خير بك، وشركة الشام الدولية للإنتاج الفني، وفيلات شرقية شارع الفارابي، وشركة لبيع أجهزة الكمبيوتر تقوم بتوريد وتأمين الحواسب عبر ميناء اللاذقية، وشركة بدجت لتأجير السيارات، ووكالة شركة فيليب موريس للتبغ، وعقود في مجال تجارة البترول، والاشتراك في ملكية مطاعم ومسابح «هابي لاند» على طريق مطار دمشق الدولي، وسلسلة مطاعم لانوازيت وأوبالين. إذاً، ما حدا مما بدا، ثم كيف يرى خدام نفسه الآن وقد صار قِبلة للمجيئيين، وورثة الاستعمار الذين ينوون شراً ببلاده وأرضه، أم أن قرابين الأضاحي ازدادت مع ازدياد العدالة الدولية؟
لقد أدرك خدّام أن سورية ومنذ تأجيل اتفاق الشراكة بينها وبين الاتحاد الأوروبي في مايو/ أيار ، وصدور القرار في سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، ثم القرار وما أعقبه من تشكيل لجنة التحقيق الدولية ثم القرار الصادر بعد تقرير ميليس، بدأت تسير نحو المواجهة المحتومة مع القوى الأنجلوساكسونية المستأسِدة، وهي مواجهة محسومة النتائج سَلَفاً في ظل ميزان عسكري غير متكافئ وأوضاع عربية بائسة. وبالتالي فإن الحل للنيئين والمرعوبين مثله هو ضربة استباقية عبر اللحاق بركب المتربصين والإمخار معهم لكي يُساهم ولو بحبة رمل في هذه الفوضى الإمبريالية، وهو يزعق الآن في وسائل الإعلام بلغة اصطفاتية لكي يتخلّص ما أمكن من احترام الوطنية ومن أزمة الضمير القاتلة، لكن الأكيد هو صيرورته علامة في تاريخ السقوط السياسي والأخلاقي
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 1221 - الأحد 08 يناير 2006م الموافق 08 ذي الحجة 1426هـ