ماذا يقصد وزير الخارجية البريطاني جاك سترو حين قال تعليقاً على مرض ارييل شارون إن «إسرائيل» ستواجه مستقبلاً مجهولاً على المدى القصير؟ كلام سترو يجب قراءة خلفياته السياسية في سياق تصريحات ودعوات بالشفاء صدرت عن عواصم القرار في الغرب، وكلها تشير إلى نوع من «القلق» ومخاوف من حصول «فراغ» يهدد الجميع.
هذا الإجماع الذي يربط مستقبل شعوب المنطقة ودولها بصحة شخص، يدل على وجود تفاهم مشترك على احتمال حصول تغييرات معينة كانت تنتظر الانتخابات الإسرائيلية التي ستعقد في مارس/ آذار المقبل للإعلان عنها. هل هذا ما قصده سترو حين أعرب عن مخاوفه بدخول «إسرائيل» في المجهول في حال لم يخرج شارون من غرفة الانعاش (العناية الفائقة) سالماً ومعافى؟ يرجح هذا الأمر بدليل أن شارون قبل مرضه نفذ ضد تكتله الحزبي (اللكيود) ما يشبه الانقلاب السياسي حين أعلن خروجه على الحزب وتشكيل حزبه الخاص (كديما) داعياً كل من يتفق معه إلى الانضمام إليه.
الانقلاب الشاروني على الليكود أحدث صدمة سياسية في «إسرائيل» وجلطة في دماغ رئيس الحكومة. فللمرة الأولى يقوم زعيم حزب بترك حزبه لمصلحة التيار المعارض له. كذلك للمرة الأولى يقوم رئيس حكومة بانقلاب على التشكيل السياسي الذي يمثله في مجلس الوزراء.
حادث الانقلاب الشاروني شكل صدمة سياسية وخلط أوراق التحالفات وشجع مختلف التيارات في الأحزاب الأخرى على التمرد والانشقاق وإعلان الانضمام إلى الحزب الجديد. وكادت خطة شارون أن تنجح حين انضمت إليه تيارات وكوادر وشخصيات بارزة من الأحزاب الأخرى وتحديداً «الليكود» و«العمل». كذلك ظهر شارون وكأنه «شمشون الجبار» يقرر ما يريد ويفعل ما يريد ولا يتردد في اتخاذ القرار الذي يريده من دون أن تتزعزع ثقة الشارع الإسرائيلي به. فبعد تلك الخطوة الغريبة من نوعها أشارت استطلاعات الرأي إلى وجود تأييد له وأظهرت احتمال فوز حزبه الجديد بغالبية بسيطة أو نسبية في الانتخابات المقبلة تؤمن له نحو مقعداً، وتضعه في مقدمة القوى المتنافسة.
مقعداً كمية ليست كافية لتشكيل حكومة يديرها كما يريد. وهذا الأمر شكل ضغطاً نفسياً على شارون لأنه لايزال بحاجة إلى مقعداً لتأمين غالبية برلمانية. وهذا لا يتم إذا لم يقدم تنازلات لخصومه ويعقد تحالفات مع تكتلات نيابية ليست بالضرورة متفقة معه على برنامجه وتكتيكاته.
هذه نقطة. النقطة الثانية انضم إلى «كديما» - وتعني بالعربية «قدماً» أو «إلى الأمام» - مجموعة من الانتهازيين والفاشلين والمقصرين في احزابهم من اليمين واليسار، الأمر الذي حول، بنظر البعض، الحزب الجديد إلى «خليط متنافر» من الايديولوجيات السياسية على رغم إجماعها على حماية «الدولة الصهيونية» من الاستحقاقات المقبلة. هذا الخليط السياسي عطل على شارون إمكانات الانفراد أو التفرد باتخاذ القرارات التي تناسبه وانعكس سلباً على شعبيته حين أخذت الاستطلاعات تشير مجدداً إلى وجود هبوط في نسبة المؤيدين له.
نقطة ثالثة تضاف إلى «شمشون الجبار» وهي أن برنامجه ليس واضحاً، فهو يضرب على اليمين وعلى اليسار ويأخذ نقطة من هنا ويتخلى عن بند هناك. وهذا يعني على المستوى السياسي أن حزب «إلى الأمام» بات قاب قوسين من الانفراط «إلى الوراء» عندما يواجه صعوبات محددة أو يتعرض إلى ضغوط محلية أو إقليمية أو دولية. فهذا الحزب الذي قيل إنه يمثل «خط الوسط» بين اليمين واليسار بدأ يواجه احتمال التفكك والانهيار قبل أسابيع من بدء الانتخابات في مارس المقبل.
الاحتمالات إذاً، كانت تشير كلها - حتى لو لم يتعرض شارون إلى جلطة دماغية - إلى طريق مسدود للتسوية والسلام المخادع بسبب عدم وضوح الرؤية. فلماذا راهنت إذاً، الدول الكبرى على قوة هذا الشخص ودوره في تذليل العقبات.
الرهان كان على خدعة. ولهذا يمكن فهم القصد من كل هذا الصراخ والعويل والبكاء على شخص كانت كل الإشارات تدل على احتمال فشله بغض النظر عن صدقه في عزمه على عقد تسوية يقال إنه كان يفكر بها... وتركها مفاجأة لما بعد الانتخابات. هل هذا هو «المجهول» الذي قصده سترو أم هناك في الميدان «شمشون» آخر؟ من يدري
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1221 - الأحد 08 يناير 2006م الموافق 08 ذي الحجة 1426هـ