العدد 1220 - السبت 07 يناير 2006م الموافق 07 ذي الحجة 1426هـ

نقطة سوداء في ملف العلاقات اليمنية الألمانية

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

انتهت عملية اختطاف مساعد وزير الخارجية الألماني السابق يورجين كروبوغ وزوجته ماجدة جوهر (ابنة الكاتب المصري يوسف جوهر) وأبنائهما الثلاثة بسلام. ولم يخسر وزير الخارجية الألماني فالتر فرانك شتاينماير ماء وجهه لأنه صرح في الساعات الأخيرة التي سبقت الإفراج عن الدبلوماسي وأسرته أن الإفراج سيتم قبل حلول العام الجديد. نهاية سعيدة، لكنها لم تمر من دون تسليط الأضواء على ما يجري في اليمن، ففي يقين المراقبين أنها بالتأكيد لن تكون عملية الاختطاف الأخيرة، فهذا البلد العربي ساحة صراع مستمر على النفوذ بين القبائل والحكومة.


خطف غير سياسي

العامل الحاسم في عملية اختطاف الدبلوماسي الألماني الذي تخلى عن العمل السياسي الصيف الماضي بعد بلوغه سنة (وهو سن التقاعد في ألمانيا)، وكما أكد ذلك وزير الخارجية الألماني، أنها لم تكن عملية اختطاف سياسية. والأرجح أن القبيلة التي قامت بخطف كروبوغ وأسرته لم تكن تعرف من يكون. كل ما حصل أن نزاعاً بين قبيلتين وبين الدولة أدى إلى عملية الاختطاف للضغط على حكومة الرئيس علي عبدالله صالح. وهو بالمناسبة زائر دائم لألمانيا، إذ غالباً ما يزور مستشفى القوات المسلحة الألمانية للخضوع لفحوصات طبية.

هكذا شاءت الصدف وحدها أن يقع كروبوغ - الذي عمل بصورة وثيقة مع وزراء خارجية ألمانيا الثلاثة السابقين: هانز ديتريش جينشر وكلاوس كينكل ويوشكا فيشر - ضحية نزاع يمني داخلي، وظل مصيره وأفراد أسرته بيد الأقدار عدة أيام ضمن قضية لعبت فيها القبائل الدور الرئيسي. مصادر إعلامية في برلين أكدت أن هذه العملية على عكس عملية اختطاف الألمانية سوزانه أوستوف في العراق أخيراً، وغيرها من عمليات الاختطاف التي تعرض لها مواطنون ألمان، لم يلعب المال أي دور فيها، كما أنها لم تكن سياسية، وانما احتدام نزاع بين قبيلتين من جهة وبين قبيلة والحكومة.

وقالت هذه المصادر إن ألمانيا ضغطت على حكومة علي عبدالله صالح كي تضاعف جهودها بهدف الإفراج عن الأسرة الألمانية وهدّدت بوقف المساعدات الإنمائية التي يحتاجها اليمن بصورة ماسة. كما قالت المصادر إن ألمانيا شعرت بقلق كبير على حياة كروبوغ وأسرته حين بلغها أن الجيش اليمني حاصر المنطقة التي يعتقد أن المخطوفين فيها، وطلبت من الحكومة اليمنية صرف النظر تماماً عن استخدام القوة تحت أي ظرف حرصاً على حياة المخطوفين.


سلطة القبائل

القبائل في اليمن لها كلمة مدوية. وحتى ظهور الدولة الحديثة على أرض هذا البلد لم يضعف دور القبائل أو يهمشه. وهناك مليون قطعة سلاح في بلد يبلغ عدد سكانه مليون نسمة. معنى ذلك أن كل قبيلة لها جيش صغير. وأصبحت عمليات اختطاف الأجانب في السنوات الأخيرة وسيلة يستخدمها عدد من القبائل للحصول على مطالبهم من الحكومة في صنعاء. وفي العامين و وفقاً لإحصاءات دولية، وقعت في اليمن عملية اختطاف للأجانب. وكان الخاطفون يطالبون أحياناً الحكومة اليمنية ببناء مدارس وشق شوارع. لكن على العكس من عمليات اختطاف الأجانب التي تحصل في العراق فإن القبائل اليمنية على ما يبدو تسعى من وراء الاختطاف للفت نظر الحكومة إلى أوضاعها، أملاً في أن تتحسن، فيما كان المختطفون يعاملون معاملة حسنة وأحياناً كضيوف على القبيلة الخاطفة، وهو ما حدث لكروبوغ وأسرته لحسن الحظ.

ويزور اليمن مئة ألف سائح أجنبي سنوياً، غير عابئين بالأخطار التي تحذر منها حكوماتهم، فهذا البلد يجذب جماعات السياح الذين يتمنون العودة إلى الماضي، إذ يوفر لهم هذا البلد فرصة العودة إلى مهد التاريخ، لما يتميز به من مناطق أثرية. وهو البلد الذي يحكمه رئيس نجا من الاغتيال أكثر من مئة مرة. وهو ملزم بالعمل بسياسة القبضة الحديد من جهة، وبطرافة اللسان من جهة أخرى للتوفيق بين القبائل وحكومته. ولعل أكبر تحد يواجهه صالح منذ سنوات هو حصر نفوذ القبائل.

بعد سبتمبر/ أيلول أصبح الرئيس اليمني حليفاً مهماً للولايات المتحدة، فيما يسمى بالحرب ضد الإرهاب. ويكتسب الدور اليمني أهمية في هذه الحرب كون زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، الذي تحمله الولايات المتحدة مسئولية هجمات سبتمبر وتفجير سفارتيها في كينيا وتنزانيا العام .,, ينحدر من حضرموت في اليمن، وقد تزوّج فتاة يمنية خلال رحلة الفرار المستمرة. كما أن عدد المتعاطفين معه في هذا البلد كبير جداً. ويعتقد أن الاعتداء على السفينة الحربية الأميركية (كول) في أكتوبر/ تشرين الأول في ميناء عدن نفذته جماعة مقربة من «القاعدة».

بالنسبة إلى كثير من اليمنيين الذين يدركون أهمية السياحة كعامل اقتصادي لبلدهم، وللرئيس صالح نفسه، فإن عملية اختطاف الدبلوماسي الألماني وأسرته مسألة مؤسفة للغاية، لأن اليمن تربطه مع ألمانيا علاقات وثيقة جداً. وعلاوة على كون الرئيس اليمني في مقدمة أصدقاء ألمانيا بين القادة العرب، فإن ألمانيا قامت بدور مهم جداً في ترميم الأثريات القديمة المهمة في اليمن وتحملت كلفة ذلك. وقد قام باحثون ألمان أمثال كارستن نيبور وهيرمان فون فيسمان وفلهيلم هاين وغيرهم بأدوار بارزة في التعريف بما يملكه اليمن من إرث ثقافي عظيم. وهو الإرث الذي يجعل السياح من كل بلد يجازفون من أجل التعرف على هذا الإرث عن كثب. كما اهتم العلماء الألمان بترميم مصاحف قديمة مكتوبة بخط اليد معروضة اليوم في الجامع الكبير في العاصمة صنعاء.


خلفية الرئيس صالح

الرجل الذي يقود اليمن اليوم ملزم بأن يستخدم سياسة القبضة الحديد، منعاً لحصول انفلات في بلده. وهذه الطباع نتيجة ماضي علي عبدالله صالح المولود في بيت الأحمر جنوب صنعاء العام . وكان تعليمه محدوداً، إذ زار مدرسة تعليم القرآن ثم انتسب إلى الجيش وكان يبلغ سن . وعند بلوغه سن أصبح آمر كتيبة للدبابات. وشارك في الحرب التي أدت إلى تقسيم اليمن إلى شطرين: الشمال الذي ينتمي إليه صالح، والجنوب، حيث تم جلاء البريطانيين في العام ، والذي احتلوه العام .

في العام قام صالح بانقلاب عسكري أدى إلى سيطرته على السلطة. وفي العام انهار الاتحاد السوفياتي، وهو العام الذي استعادت فيه ألمانيا وحدتها، كما استعاد اليمن وحدة شطريه، وتم تثبيت صالح في منصبه رئيسا على كامل تراب اليمن. ومن المتوقع أن يرشح نفسه لمركز الرئيس مرة أخرى في سبتمبر المقبل.

تؤكد برلين أن علاقاتها مع اليمن جيدة، وكان الرئيس صالح قد زارها رسمياً آخر مرة في العام . وقد حرص على الالتقاء بالدبلوماسي الألماني السابق وأسرته قبل عودتهم من صنعاء إلى ألمانيا، إذ أعرب لهم عن أسفه لما حصل وتمنى عليهم العودة لمواصلة زيارتهم للتعرف على حضارة اليمن!


قضية الشيخ المؤيد

إن من حسن حظ الدبلوماسي الألماني السابق وأسرته أن هدف عملية الاختطاف لم يكن سياسياً. في فبراير/ شباط الماضي زار المستشار الألماني غيرهارد شرودر صنعاء ضمن جولة خليجية، وفي لقائه صالح لم يجد شرودر غير العبارات الودية، مع ان هناك قضية ساخنة لم يتطرقا إليها، ظلت تشكل عاملاً سلبياً على علاقات البلدين، والتي تتعلق بما يسمى الحرب ضد الإرهاب. وتدور القضية حول عملية استدراج شيخ يمني اسمه علي حسن المؤيد وأحد مساعديه ثم اعتقالهما وتسليمهما إلى الولايات المتحدة. وهناك الكثيرون ممن يرون أن هذه القضية تعد خروجاً واضحاً على مبادئ الحرب ضد الإرهاب، والعبث بحقوق الإنسان. ومازالت قضية الشيخ اليمني معرض جدل، ومازالت هناك علامة استفهام على دور ألمانيا وخصوصاً أن وسائل الإعلام الألمانية تتهم وزير الداخلية السابق أوتو شيلي بالتنازل كثيراً للأميركيين والسكوت على نشاطات مريبة لـ «سي آي إيه» في ألمانيا وأوروبا. وقد تقدم واحد منهما بشكوى ضد ألمانيا أمام المحكمة الأوروبية العليا لحقوق الإنسان، متهماً إياها بخرق الميثاق الأوروبي والدولي لحقوق الإنسان، مطالباً إياها بتعويضات.

من وجهة النظر الأميركية كان الشيخ علي حسن المؤيد أحد أبرز المشايخ في صنعاء يجمع أموالاً لتنظيم «القاعدة» وحركة «حماس». واستطاعت الشرطة الفيدرالية الأميركية في العام أن تجند شخصاً تقرب من الشيخ واستدرجه إلى مدينة فرانكفورت بألمانيا، بعد أن أقنعه أن مجموعة من رجال الأعمال العرب يريدون تسلميه مبالغ كبيرة من المال لتمويل حرب الجهاد. وفي غرفة مجاورة للغرفة التي نزل فيها الشيخ ومساعده بالقرب من مطار فرانكفورت جلس عملاء الشرطة الفيدرالية الأميركية يسترقون السمع للحديث الجاري بين عميل الأميركيين والشيخ ومساعده. ويقول الأميركيون إنهم حصلوا على دليل أن الشيخ يجمع تبرعات لـ «القاعدة» و«حماس». كما أن السلطات الألمانية كانت على علم سابق بعملية التوريط التي خطط لها الأميركان.

وفي يناير/ كانون الثاني من العام المذكور ألقت السلطات الألمانية القبض على الشيخ المؤيد ومساعده، وتم تسليمهما إلى الولايات المتحدة، وخرجت مظاهرات احتجاج أمام السفارة الألمانية في صنعاء، فطلبت الحكومة اليمنية من الحكومة الألمانية أكثر من مرة أن تتدخل للإفراج عنهما، ودفعت أتعاب محامين ألمان حاولوا وقف تسليم الشيخ ومساعده إلى السلطات الأميركية.

المحامي ألفريد ديكرزباغ ( عاماً)، الذي كان رئيس القضاة في محكمة الدستور التي رفضت دعوى الشيخ اليمني، يرى اليوم أن تصرف الحكومة الألمانية يعتبر فضيحة. وقد غيّر ديكرزباغ مكانه وأصبح محاميا للشيخ اليمني وقال لصحيفة «زود دويتشه»: لقد تساهلت وزارة الخارجية مع الأميركيين، كما كذبت وزارة العدل على الشيخ المؤيد بعد أن وعدت بعدم تسليمه للولايات المتحدة، أما وزير الداخلية السابق أوتو شيلي الذي يرفض التعليق على اتهامه بالقيام بدور الكراكوز مع الأميركيين، فإنه رأى في ذلك انتصاراً على الإرهاب. وبغض النظر عن القرار الذي سيصدر عن المحكمة الأوروبية العليا لحقوق الإنسان، فإن الشيخ المؤيد ومساعده لن يحصلا على مساعدة من أوروبا، ذلك أن الشيخ البالغ من العمر عاماً، حصل على عقوبة الحبس في ال

العدد 1220 - السبت 07 يناير 2006م الموافق 07 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً