العدد 1220 - السبت 07 يناير 2006م الموافق 07 ذي الحجة 1426هـ

دولنا العربية وضرورات «الذمة المالية»

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

طبقاً للمادة من الدستور الإيراني، فإن على رئيس السلطة القضائية التدقيق في أموال المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية (الولي الفقيه) وأموال رئيس الجمهورية ومساعديه، بالإضافة إلى الوزراء وعقيلاتهم وأبنائهم قبل تسلم مناصبهم الرسمية وبعدها. كما أن السلطة القضائية لها الحق في القيام (وبشكل سري ومفاجئ وفي أي وقت) بتفتيش الحسابات المصرفية والممتلكات العينية لأي مسئول ذي وظيفة عمومية في النظام السياسي، كما حَدَثَ قَبلاً للرئيس السابق الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني ثلاث مرات في أقل من عامين بعد استعار الحملة الشرسة التي شنّها الإصلاحيون المتطرفون ضده بعيد سيطرتهم على المجلس النيابي السادس في يونيو/ حزيران ، وما تخللها من هَمسٍ مسيس بشأن أنشطة أبناء الشيخ التجارية، وبالخصوص في مجال محاصيل الفُستق التي توارثتها عائلة هاشمي منذ أكثر من قرنين خليا.

وقبل أقل من أسبوع قدّم الرئيس محمود أحمدي نجاد قائمة بأمواله وممتلكاته إلى رئيس السلطة القضائية آية الله هاشمي شاهرودي، تضمّنت داراً سكنية بمساحة متراً مربعاً على أرض مساحتها متراً مربعاً وتقع في منطقة نارمك بطهران، مُشَيَّدة منذ عاماً، وحساباً مصرفياً جارياً في بنك ملّت، فرع جامعة العلوم والصناعة بغرض تسلم الرواتب والمخصصات الشهرية من الجامعة التي يُدرّس فيها أحمدي نجاد بعد الظهر، وحساباً مصرفياً آخر في بنك ملّي فرع وزارة الداخلية يعود إلى فترة شغل الرئيس منصب محافظ أردبيل إبّان رئاسة الشيخ رفسنجاني، ولا يوجد فيه حالياً أي رصيد، بالإضافة إلى سيارة بيجو موديل بيضاء اللون، وخطاً هاتفياً.

طبعاً، قد يكون هذا الخبر مُستَهجَناً من قِبَل البعض ممن يفترشون الحرير في قصورهم المأتمية، بل إنهم لن يتورّعوا عن وصف أحمدي نجاد بأنه شخصية توتاليتارية مُضمّخةٌ بالشعارات البالية، بل قد يُلحقونها بسياسة كسب الأسهم والنقاط في بورصة استجلاب المشروعية الاجتماعية والجماهيرية، إلاّ أن الفقراء ممن يفترشون حسك السعدان واشمأزت وجوههم من قرّهم، هم من يودّ أن يستشعر مثل هذه المداراة والتواضع، وخصوصاً أنهم يعيشون بين جؤار نُظُمٍ تتبارى في الظلم... أناس فيها يموتون من الجوع وآخرون يموتون من الشبع، وأناس تقضي أوقاتها بين فارِه الأشياء وأناس تتلوّى من قسوة العيش والحياة، وأناس تضمّهم القصور المُترَفَة وأناس تعيش تحت سقوف التوتياء الصدئة، يضوع الفقر من عيونهم.

وما يزيد الحال وجعاً وأَلَماً هو أن هذه الأرض (العربية) التي حباها الله من آلائِه ونعمه، ما جعلها قِبلة للطامعين، تضم في أحشائها من المآسي ما تندى لها الجباه وتشيب لها الولدان، فجوة غذائية تزيد عن مليار دولار وتزداد بواقع في المئة سنوياً، وعاطلون عن العمل يصل تعدادهم إلى مليون إنسان، وفي غمرة هذا الفُحش والنهب المنهجي الذي يقوم به الاقطاعيون لايزال أكثر من مليون عربي ( في المئة) من مجمل السكان يعيشون على دولار واحد في اليوم، و مليون عربي ( في المئة) يعيشون على دَخلٍ يومي يتراوح ما بين و دولارات. كما لم تستطع ثرواتنا الوطنية أن تُغيّر من أوضاع بلداننا إلى المعقول فضلاً عن المأمول، فمازالت الدول العربية تحتاج إلى مليار دولار كبنية تحتية في مجال الكهرباء والماء، و مليار دولار لمجال الاتصالات، في حين أن الأموال التي تم تهريبها من عالمنا العربي خلال العشرين عاماً الماضية تكفي لهدم وبناء الوطن كله عشر مرات، على حد تعبير الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل. إذاً، كيف وصل الحال بنا إلى هذا الحد من المأساة؟ لماذا الديون العربية تفوق الـ مليار دولار، في الوقت الذي نرى الاستثمارات العربية في الخارج ما بين و مليار دولار؟

الجواب قطعاً لا يحتاج إلى إبداع أو جهد عقلي أكثر من التثبّت من أن هذه الأموال هي ودائع خاصة سُرِقَت من الثروات الوطنية لهذه البلدان، من عوائد النفط والغاز والمراكز المالية والمصرفية، ومن عرق الطبقة الكادحة التي عاشت سُخرةً للاقطاعيين الذين كلما ازدادت ثرواتهم فُحشاً تمادت أرجلهم في الدوس بغير رحمة على بطون الفقراء وأظافرهم في لحوم المساكين. نعم، فالتاريخ يُعيد نفسه بقفاطين متنوعة، لكن أجزاءه وأبطاله هي ذاتها لا تتغير ولا تتبدل. مُلاك وبرجوازيون وعبيد وأراضٍ على مرمى البصر أنسَت من قبلها وأتعبت من بعدها. إذاً أين الشعوب العربية مما يجري؟ وكيف هو مُستقبلها ومستقبل أجيالها التي تنتظر دورها في تحمّل هذا الإرث الثقيل والمتعاظم ألماً وقسوة، أم أنهم ألِفوا مصابيح المذبح المضاءة أمام أعينهم كل حين؟ كيف لهم أن يُصدّقوا أو يُقنِعوا غيرهم بمشروعات الإصلاح العربية الموعودة وهم يقرأون ويسمعون ويتحسسون كل هذا المشهد التراجيدي؟ كيف لهم أن يُقنِعوا أنفسهم بأن خيار الارتهان إلى الخارج هو ضربٌ من الخيانة والسقوط في أحضان الامبريالية التي بات البعض ينظر لها كأنها المُسَيّا له من ظلم ذوي القربي، وأضحى التعيير بالعمالة كالفكرة القديمة التي استهلكت نفسها ولم يبق انتظار نفع منها أو حنين، بل إن الحافز الوطني أضحى مُعلّقاً بطرف خيط، وبات الإنسان العربي يُدرك أن التضحية بالدم انتحار لا فائدة منه لأن دافع المبدأ وداعي الوطنية وراءه ضائع، وهو يرى جلاده يرقص فوق أشلاء ضحاياه كأنه ثورٌ هائجٌ انطلق داخل حانوت العاديات يُحطّم كل شيء من دون قيود، بل أصبحت ضغائن الثأر النائمة جاهزة لأن تستيقظ في أي وقت من قُمقمها رافضة كل شيء، ولا ترى الحياة إلاّ سواداً، ولا تفكّر إلاّ بثنائية الأشياء واختزال الحقائق، وهو ما يعني فتحاً جديداً لباب التطرف لن يُوصَد إلاّ بعد أن يدخل منه شرٌ عظيم؟

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1220 - السبت 07 يناير 2006م الموافق 07 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً