العدد 1220 - السبت 07 يناير 2006م الموافق 07 ذي الحجة 1426هـ

هكذا يتم التمهيد لطيّ صفحة الماضي

الجديد يأتي من المغرب!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عاش المغرب تجربةً خاصةً في مجال التحوّل من مرحلة «انتقالية» إلى مرحلة جديدة، يتم فيها طيّ صفحة الماضي، الذي تسميه المعارضة «سنوات الرصاص»، بينما يسمّيه القصر«سنوات الجمر»، وكلا الوصفين يشتركان في الاعتراف بماضٍ غير سعيد. فلا الرصاص والهراوات والقمع يليق بمعاملة الشعوب في مطلع القرن الحادي والعشرين، ولا إكراه الشعب على السير في طريق النار والجمر يليق بالحكومات التي تحترم نفسها وتحترم شعوبها في هذا العالم المفتوح.

يوم الجمعة الماضي، عبّر الملك محمد السادس عن رغبته في طيّ الصفحات المؤلمة «لسنوات الجمر»، في الوقت الذي أمر بتطبيق كل توصيات هيئة العدالة والمصالحة التي أنشأها في نهاية العام ، «لاعطاء صورة ملموسة عن التمسك الحازم بتعزيز الحقيقة والعدالة والمصالحة»، باعتبار ان «الصفح الجماعي يشكّل أحد دعائم إصلاح المؤسسات... (وهو) إصلاح عميق كفيل بمساعدة بلدنا على تجاوز أخطاء الماضي فيما يخص الحقوق السياسية والمدنية».

وفي الوقت الذي تجنّب الملك تقديم اعتذاراتٍ لضحايا انتهاكات حقوق الانسان التي وقعت في عهد والده الحسن الثاني، كشفت مصادر أن رئيس الوزراء ادريس جطو سيكلّف بتقديم اعتذارات الدولة رسمياً، من دون أن يُعرف متى وكيف.

الرابطة المغربية لحقوق الانسان عبّرت عن أسفها لأن الملك لم يقدّم اعتذارات علنية، وانما تحدّث عن«صفح جماعي». وفي الوقت الذي كانت الرابطة تأمل في تقديم اعتذارات، إلاّ أن أمينها العام استدرك قائلاً: «اننا على طريق تقديم اعتذار سيقوم به رئيس الوزراء، لكن الرابطة كانت تفضّل أن تأتي من رئيس الدولة».

وإذا ذُكر المغرب هذه الأيام، فانه يُذكَر بتجربة تشكيل «هيئة الإنصاف والمصالحة»، التي أمر الحسن الثاني بإنشائها العام لدراسة انتهاكات حقوق الإنسان في عهده. وهي الهيئة الأولى من نوعها على مستوى العالم العربي، لدراسة ممارسات الدولة الخاطئة والسماح للضحايا بالتحدّث بحرية والمطالبة بالتعويضات. وأمر الملك محمد السادس بتسوية ملفات انتهاكات حقوق الانسان من إلى ، وتطبيق توصياتها، داعياً السلطات العامة إلى التعاون في هذا الاتجاه. وقد حققت الهيئة في أكثر من ألف ملف لضحايا «سنوات الجمر»، بينهم تسعة آلاف سيتم تعويضهم. كما تضمن تقريرها النهائي الذي رفعته قبل شهرين، الدعوة إلى وضع حدٍ للإعفاء من العقاب والاعتذار من الضحايا.

الجديد أن الملك محمد السادس دعا يوم الجمعة، ممثلي الرابطة ومنتدى العدالة والحقيقة وأسر ضحايا انتهاكات حقوق الانسان، إلى القصر. وشارك في اللقاء أعضاء هيئة الانصاف والمصالحة التي يترأسها ادريس بن زكري، السجين السياسي السابق الذي أمضى عاماً خلف القضبان في عهد والده. ومن بين العائلات المدعوة عائلتا المعارض اليساري عبد اللطيف زروال الذي قضى تحت التعذيب العام ، وعائلة النقابي حسين مانوزي الذي اختطف في تونس العام وسلّم إلى المغرب.

الملك صرّح أمام ضيوفه الجدد قائلاً: «لقد أنجزنا هذه المهمة على أكمل وجه». وأتى على ذكر «ضحايا الظلم والأسر التي تألمت... ونحيطها برعايتنا».

صحيفة «ليبراسيون» الاشتراكية استبقت اللقاء بالقول:«ستزور القصر أسماءٌ ومجموعاتٌ منسيةٌ منذ زمن طويل، لترسم ملامح مصالحة كانت حلماً وصارت اليوم في متناول اليد».

وإذا كان العالم وقف طويلاً يتفكر في تجربة جنوب أفريقيا، ويشاهد المسئولين البيض المتورطين في قضايا انتهاكات حقوق الانسان والتمييز العنصري ضد الأفارقة، يقفون أمام الملأ ليعتذروا عن ماضٍ غير مشرّف على الإطلاق، امتد أربعة قرون، فإن العالم العربي يقف اليوم أمام التجربة المغربية، ليشاهد هذه الخطوات الجريئة، على طريق الاعتذار عن ماضٍ أليم امتد أكثر من أربعة عقود. وليثبت المغرب أن للضحايا والمظلومين ثمة فسحة للإنصاف وإحقاق الحقوق، وإعادة الاعتبار لقوافل طويلة من المناضلين الذين مرّوا بالسجون والمعتقلات، كان كلّ جرمهم أنهم حلموا ذات يومٍ أن يكون لهم وطنٌ ترتفع فيه هامات الرجال

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1220 - السبت 07 يناير 2006م الموافق 07 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً