العدد 1220 - السبت 07 يناير 2006م الموافق 07 ذي الحجة 1426هـ

قوي ضد ضعفاء

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

فجأة تحول رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون من «مجرم حرب» مطلوب للعدالة إلى «بطل سلام» لا مستقبل للتسوية في حال غيابه عن الشاشة السياسية. فالرهان الدولي كما ظهر من تصريحات مختلف المسئولين في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يقوم على شخص. وإذا ذهب هذا الشخص يذهب معه مشروع تسوية يقال إنه كان سيظهر إلى النور بعد الانتخابات الإسرائيلية.

أي سلام هذا يراهن على شخص واحد. وأي تسوية ترهن بوجود شارون. فمثل هذا الكلام يعني مسألة واحدة: ان شروط السلام (التسوية) في المنطقة غير متوافرة بعد.

أي سلام له شروطه. وأية تسوية يراد لها أن تنجح لابد لها أن تتجاوز الأفراد. فالسلام لا يقوم بين أفراد وانما بين شعوب. والتسوية لا تقوم بين شخص مقابل مجموعة أشخاص وانما بين دولة ومجموعة دول. والكلام المنثور بشأن صحة شارون لا معنى له إذا كانت التسوية برمتها معقودة على شخص مشهود له بأنه «جنرال» في ارتكاب المجازر.

لا تسوية إذاً من دون شارون، ولا سلام في المنطقة من دون وجود مثل هذا الشخص. هذه هي خلاصة تلك التصريحات التي أطلقت بمناسبة دخول «بطل السلام»، مجرم الحرب سابقاً، غرفة العناية الفائقة.

هذا الكلام المترافق مع الصلوات والدعاء لخروج «البطل» سالماً من المستشفى يدل على مسألة ستعلن قريباً: لا سلام ولا تسوية في المنطقة.

فحين تُقدم دول الغرب على رهن شعوب المنطقة كلها بصحة (مزاج) شخص واحد فمعنى ذلك أن تلك الدول مقتنعة ضمناً بعدم وجود قواعد صحيحة للتسوية وهي تتذرع بصحة شارون لتعلن لاحقاً فشل مشروعها السلمي.

التذرع بصحة شارون هو مجرد وسيلة جديدة لخداع المنطقة وعدم كشف الحقيقة المرة وهي أن «إسرائيل» الدولة لا تريد السلام وهي غير مستعدة للتسوية... وان مصلحتها تقضي بابقاء الوضع على حاله مادام الحال يكشف دائماً عن المزيد من الضعف لدول المنطقة مقابل المزيد من القوة لها.

ومثل هذه المعادلة التي تنهض على قاعدة تعتمد سياسة إضعاف العرب وتقوية «إسرائيل»، تعني على المدى القريب أن تل أبيب لا ترغب وليست بحاجة وغير مضطرة إلى عقد تسوية مع أطراف تضعف باستمرار وبالتالي تتضاعف استعداداتها للتنازل باستمرار. وانطلاقاً من هذه النظرية لماذا إذاً تغامر «إسرائيل» بمستقبلها مادامت هذه المعادلة تشكل حجر الزاوية في سياسة الولايات المتحدة؟

في تسعينات القرن الماضي ابتكر جورج بوش (الأب) هذه النظرية ورأى في حرب الخليج الثانية مناسبة سياسية لإعلان مشروع تسوية إقليمية بعد نجاح قواته في ضرب قوة العراق العسكرية وإخراج قوات صدام من الكويت. وكانت النتيجة فشل مفاوضات مدريد لسبب بسيط وهو أن رئيس الحكومة انذاك اسحق شامير وجد نفسه في موقع الطرف الأقوى في المعادلة فلماذا يستسلم للضغوط ولماذا ينسحب من أراضٍ لأطراف تعاني التشتت والتمزق والتضارب في وجهات النظر؟

وبسبب هذه النظرية التي تعتمد معادلات «قوة العرب في ضعفهم» و«قوة إسرائيل في ضعف العرب» و«التسوية لا تقوم من دون وجود شخص قوي مقابل مجموعة ضعفاء» فإن الرهان على السلام مجرد كذبة... والتسوية لاتزال تفتقر إلى الكثير من الشروط.

منطق المراهنة على صحة شخص لتمرير السلام وتبرير التسوية يكشف نفسه ويفضح ذاك النفاق الذي يريد التذرع بوجود شارون أو عدم وجوده للقول: نأسف أيتها الدول العربية. وعدناكم بالتسوية والسلام، ولكن «ذهاب» شارون عطل عجلات الاندفاع، ولابد من التوقف حتى تنقشع الغيوم وتتوضح زوايا الصورة.

فجأة ارتبط مستقبل المنطقة بمسار الوضع الصحي لشارون. وهذا الربط يدل إن دل على شيء... أن السلام لايزال يحتاج إلى مزيد من الحروب لاضعاف العرب وتقوية «إسرائيل»

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1220 - السبت 07 يناير 2006م الموافق 07 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً