العدد 1220 - السبت 07 يناير 2006م الموافق 07 ذي الحجة 1426هـ

مصلحة الجماعة أولاً

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

يوم أمس استقال رئيس حزب الديمقراطيين الأحرار البريطاني تشارلز كينيدي من منصبه بعد أن قاد الحزب بصورة ناجحة لمدة ست سنوات وبعد أن أنقذ جماعته من الاندثار... ومع ذلك فانه فضل الاستقالة على البقاء في منصبه معتبرا «ان مصلحة الحزب تأتي في المقدمة على مصلحته». مشكلة كينيدي بدأت قبل أربعة أيام عندما اكتشف البرلمانيون من حزبه بانه كانت لديه مشكلة شخصية تتعلق بادمانه على الكحول، وعليه تقدم برلمانيا بطلب استقالته، وبعد يوم واحد استقال فعلاً معتبرا ان مصلحة الجماعة تأتي أولا.

لقد كان كينيدى خلف عودة الحزب بقوة في الانتخابات الأخيرة (لديه عضواً في مجلس العموم، و عضواً في مجلس اللوردات)، والحزب الام (الاحرار) كان يتناوب الحكم في بريطانيا مع حزب المحافظين حتى مطلع القرن الماضي عندما تأسس حزب العمال وأزاحه من موقعه، ومر الحزب بعدة هزات وكاد ينتهي، ولكن جاء كينيدي ورفع شأن جماعته في الانتخابات بشكل ملحوظ. غير انه عندما وجد ان وضعه على رأس الحزب سيسبب متاعب لجماعته استقال بسرعة وأعلن انه سيستمر في دعم مشروعات الحزب الذي يأمل في ان تنقل بريطانيا من بلد يتناوب حكمه حزبان، إلى بلد ذي ثلاثة أحزاب تشترك في تشكيل الحكومة حسب التحالفات، كما هو حال ألمانيا مثلا.

المهم في كل ما ذكر أعلاه هو أن كينيدي ضحى بمصلحته من اجل جماعته التي استفادت من جهوده، ووعد انها ستستمر في الاستفادة من جهوده المستقبلية... ونحن قد لا نستطيع ان نطالب بحدوث الأمر ذاته في بيئتنا لأنها ارتبطت «بشخصنة» السياسة، والناخب، او الجمهور يتبع شخصاً ما لأسباب أخرى لاعلاقة لها بالبرامج والسياسات. ووضعنا السياسي يقول إن الأكثرية التي تنجح في الانتخابات لا تحتاج إلى ان تطرح رؤى واستراتيجيات وبرامج، لأن التصويت لها أو ضدها لا يعتمد على ذلك أساساً. فهناك التصويت للطائفة، وللجماعة داخل الطائفة، وللشخص ذاته بما يحمل من رمزية معينة في أذهان الجمهور.

غير أنه من المفترض ان نتوجه نحو البيئة السياسية التي تعتمد على الرؤية والبرامج التي يطرحها هذا الفرد أو ذاك، وان السياسي يتوجب عليه حين اتخاذ القرار ان يضع بلده ومجتمعه أولا، وجماعته ثانيا، وشخصه ثالثا، وان يتعامل مع الامور بحرفية بعيدة عن الشخصنة. هذا لا يعني ان ما يجري في بلدان أخرى، حتى لو كانت متقدمة سياسياً، بعيدة عن الشخصنة، ولكن الأثر أقل مما هو موجود لدينا، وذلك نظراً لتراكم الخبرات والتجارب التي نمت خلال فترات طويلة من الممارسة السياسية المفتوحة للجميع.

ان أمامنا فرصة في البحرين لكي نمارس السياسة على اساس حزبي، لان قانون الجمعيات السياسية، والعمل الحزبي يجب ان يختلف عن العمل الطائفي، لا أن يكون واجهة له. وقد يكون مقبولا في المراحل الأولى من العمل السياسي ان يتأثر بالمعطيات المذهبية والقبلية والاثنية، ولكن الهدف يجب ان يكون هو الانتقال من هذه الحال إلى حال العمل الجماعي المعتمد على اطروحة فكرية شاملة لكل الوطن، وان يعمل الناشطون داخل تلك الجماعة على اساس الايمان بالبرامج المطروحة لكل الوطن، وان يضع الناشط مصلحة مجتمعه أولا، وجماعته ثانيا.

العمل الحزبي الذي بدأ يتحرك أخيراً في البحرين يحتاج إلى تطوير في آليات التعاطي مع الوضع السياسي، بحيث تقدم كل جماعة ما لديها من أفكار ومن مترشحين يمتلكون من الصدقية والمبدئية ما يؤهلهم للحصول على ثقة الجمهور. وجانب من الصدقية ان لا يلهث المرء خلف مصلحته حتى لو كان في ذلك دمار لجماعته. ان لدينا حاليا تنافسا للوصول إلى مواقع متقدمة في عملية اتخاذ القرار على مستوى الجماعة، وهي ظاهرة حسنة، وسنمر من خلالها بكل ما مر به غيرنا، وسيكون الخيار للناخب (سواء كان في انتخابات عامة، او انتخابات خاصة بجمعية معينة) في تحديد من يصل إلى موقع القرار، والناخب أيضا لديه القدرة - في حال استمرار العمل الديمقراطي - على اسقاط من يصل إلى المواقع المتقدمة وهو ليس أهلا لها، وذلك في حال لم تكن لهذا الفرد أو ذاك شجاعة كينيدي

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 1220 - السبت 07 يناير 2006م الموافق 07 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً