العدد 1219 - الجمعة 06 يناير 2006م الموافق 06 ذي الحجة 1426هـ

مجلس الوزراء يقرر إحالة موضوع المنقبات إلى الداخلية

كان ذلك عنوان خبرٍ قرأته على موقع جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي. من العنوان استبشرت خيراً وفرحت، لكن فرحتي زالت وتبخرت بعد أن قرأت التفاصيل، إذ جاء في تفاصيل الخبر: «استعرض مجلس الوزراء بتاريخ ديسمبر/ كانون الأول الاقتراح المقدم من مجلس النواب بشأن السماح للمرأة المنقبة بالسواقة من دون أن تحرر لها مخالفة قانونية، وقرر المجلس إحالته إلى وزارة الداخلية».

لم تدم فرحتي طويلاً، فالخبر كان في ديسمبر وليس في ديسمبر ، فكل عام والوطن والمواطنين بألف خير. عندها عرفت أن مجلسنا النيابي قد سجل حسنة له في سجله المليء بالحسنات خلال فترة نيابته، وبالتالي فقد ضمن نوابنا الأفاضل أصوات المنقبات في انتخابات العام ، بغض النظر عما إذا كان مشروعهم يخدم الوطن والمواطنين أم لا، فهذا أمر ليس في الحسبان إلاّ عند البعض القليل منهم!

عندما يحصل حادث مروري ويكون أحد أطراف هذا الحادث سيدة منقبة ويحضر رجل المرور إلى موقع الحادث، ويطلب من الطرفين تقديم مستندات ملكية السيارة ورخصة السواقة، ألا يتوجب على السيدة التي هي طرف في هذا الحادث أن تسلم رخصة القيادة إلى شرطي المرور؟ هل تساءل نوابنا الكرام الذين تقدموا باقتراح برغبة، عن أحقية شرطي المرور في أن يتأكد من أن صاحبة الرخصة المنقبة هي فعلاً المتسببة في الحادث، الأمر الذي يستوجب اطلاعه على صورتها؟ بمعنى: هل يجوز شرعاً في عرف هذه السيدة أن يطلع الرجل الغريب عنها على صورتها؟

أتذكر بالمناسبة أنني قبل حوالي ست سنوات ذهبت مع ابنتي إلى مدينة جدة في المملكة العربية السعودية، كي تتم إجراءات تسجيلها في كلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز هناك. جلست معها في مكتب الاستقبال للسكن الجامعي الملحق بالكلية لإتمام إجراءات السكن الذي ستقيم فيه طوال فترة دراستها الجامعية، إذ كل موظفي الاستقبال من الرجال، وكان الأمر يتطلب استخراج بطاقة لولي الأمر، يتمكن بموجبها من الحصول على تصريح يسمح له بموجبه اصطحاب ابنته معه خارج السكن في عطلة نهاية الأسبوع، أو عندما يريد اصطحابها معه لأي أمرٍ آخر، البطاقة لابد أن تحمل صورة ولي الأمر حتى يتم التأكد من شخصيته.

ونحن جلوس لإتمام الإجراءات المطلوبة حضرت سيدة تحمل بطاقة تخوّلها اصطحاب ابنتها خارج السكن، إذ يبدو أن والد الطالبة متوفٍ وليس لها من محرم من الرجال، وبالتالي ليس لها غير والدتها. تقدمت الأم بالبطاقة التي تحمل صورتها إلى الموظف المسئول كي يقوم بالتأكد من شخصية الحاضرة، وتسجيل البيانات الخاصة بها في السجل المعد لهذا الغرض. أتدرون ماذا عمل ذلك الموظف؟ قام بتغطية الصورة بكفه حتى لا يتمكن من رؤية صورة المرأة، لأن ذلك حرام في عرفه وقناعته!

يا ترى كيف تأكد هذا الموظف من أن الحاضرة هي الأم وليس شخصاً آخر تمكن من الاستيلاء على هذه البطاقة وربما بعلم الطالبة؟

يا ترى كيف يمكن لرجل المرور أن يتأكد من أن حاملة رخصة السواقة هي فعلاً السائق الذي تسبب في الحادث؟ ليس في الأمر من مشكلة، ما عليه إلاّ أن يقوم بتنقيب الصورة الملصقة في رخصة السواقة حتى يتأكد من أن المتسبب في الحادث هو صاحب هذه الرخصة، مثل ما فعل صاحبنا في السكن الجامعي عندما قام بإخفاء الصورة حتى يتأكد من أن صاحبة البطاقة هي والدة الطالبة!

يبدو أننا سنكون محتاجين إلى غرف خاصة في كل شارع وعلى مسافات متقاربة لا تتجاوز الثلاثمئة مترٍ، نوظف فيها سيدات يتمكن من نزع نقاب المتسببة في الحادث والتأكد من أنها صاحبة الرخصة المعنية، وبالتالي تسجيل بياناتها!

نرى أن تشجيع مثل هذه الظواهر ستلحق بالوطن أضراراً لا تحمد عقباها. ولا أدري إلى أية فتوى استندت عليها أخواتنا المنقبات كي يبحن لأنفسهن قيادة السيارة؟ يبدو أن الفتاوى قد تعددت وتجاوزت المصدر الذي هو من الشيوخ السلفيين الأفاضل في المملكة العربية السعودية.

قرأت بياناً صادراً عن شخصية سعودية جلهم من الدكاترة العاملين في الجامعات السعودية ومن القضاة الأفاضل ومن أعضاء الدعوة والإرشاد ورؤساء هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... ملخص مضمون هذه الفتوى التي تكونت من نحو أربع صفحات «فولسكاب» هو التحريم الجازم لقيادة المرأة للسيارة حتى وهي منقبة! قالوا في فتواهم كلاماً كثيراً حري بأخواتنا المنقبات قراءته حتى يتبينّ ما إذا كانت قيادتهم للسيارة تتوافق مع هذه الفتوى أم لا. وتوصل العلماء الأجلاء الموقعون على هذا البيان إلى أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وفي هذا اتفقوا مع إخوتنا من السلف الصالح بأن المشاركة في الانتخابات هو درء لمفاسد كبرى بمفسدة صغرى! وقالوا من ضمن الأسباب الكثيرة التي جاءت في البيان إن السماح للمرأة باستخراج رخصة قيادة للسيارة، لابد فيها من صورة، سينظر إليها عند إصدارها وتجديدها، وعند التحقق من هويتها عند التفتيش، وعند وقوع حادث!

نتمنى من مجلسنا النيابي المقبل أن يعيد النظر، لأننا فقدنا الأمل من مجلسنا الحالي!

معذرة... كثرت علامات التعجب عندي، لأن في الأمر الكثير من التعجب

العدد 1219 - الجمعة 06 يناير 2006م الموافق 06 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً