العدد 1219 - الجمعة 06 يناير 2006م الموافق 06 ذي الحجة 1426هـ

«شارون» يخلف شارون

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ارييل شارون في المستشفى. والتقارير الطبية تقول إنه في وضع صحي صعب حتى لو خرج من تلك الغيبوبة. هذا يعني أن شارون أصبح الآن خارج المعادلة السياسية الإسرائيلية. فهو حتى لو استفاق من غيبوبته سيكون في وضع حرج لا يسمح له بالعمل السياسي وستتراوح حاله بين الشلل النصفي أو الشلل الدماغي الكامل... أو الموت.

هذه هي إذاً نهاية «جنرال» قاد الحروب ضد المدنيين ونظم المجازر ضد القرى والبلدات الفلسطينية وأشرف على تخطيط سياسات القتل وطرد الأهالي من أراضيهم والاستيلاء على املاكهم وبناء المستوطنات واستجلاب مستوطنيين من مختلف مناطق العالم لتغيير معالم الجغرافيا وتغييب الهوية التاريخية لفلسطين.

تاريخ شارون يشبه تاريخ الدولة. فهو ينتمي إلى جيل أسهم في تأسيسها ثم عادت الدولة وأسهمت في إنتاج أجيال على صورتها ومثالها. فشارون وعصاباته المسلحة وما تفرق منها وعنها من تيارات صهيونية أسهمت كلها في تأسيس دولة قامت على فكرة الاستيلاء والطرد والاستحواذ على أراضي الغير وبناء مستعمرات هي أشبه بالثكنات العسكرية. ومثل هذه الدولة لا يمكن تصور سياستها إلا في إطار سلوك لا يستوي الا بمتابعة ما بدأته في مرحلة التأسيس.

«الدولة الإسرائيلية» دولة طاردة للآخر من الجغرافيا والتاريخ ولأنها كذلك فمن الصعب تخيل نهوض قوة سياسية تخالف تاريخ المنشأ إلا إذا اعترفت بأن تأسيسها قام على خطأ جغرافي ولابد من تصحيحه انطلاقاً من الانقلاب على الأصل: الايديولوجية الصهيونية.

تاريخ شارون يشبه كثيراً تاريخ الدولة. فهو صنعها على مثاله وهي صنعته على صورتها. ومادة الدولة البشرية تشبه كثيراً تلك الايديولوجية التي تأسست في لحظة زمنية في أوروبا في القرن التاسع عشر... وأنتجت دولة في المخيلة وتعاونت مع دول القارة لاحقاً لتحويل الفكرة المختلقة إلى واقع.

شارون هو ابن هذه الايديولوجية التي نقلت الفكرة من الاسطورة إلى ميدان القتال في منطقة تقع خارج أوروبا. فالاسطورة المتخيلة صنعت في أوروبا وأعيد تصديرها في فترات زمنية متقطعة إلى خارج أرض القارة وتأسست برعاية دولية وتمويل وتسليح تنافست عليه عواصم القرار في الغرب.

ماذا يمكن توقعه من دولة هذا هو تاريخها؟ البديل عن شارون في دولة تأسست على فكرتي الاستيلاء والطرد هو شارون. وكل توقع آخر هو مجرد توهم غير واقعي يغاير منطق تاريخ دولة تأسست على ايديولوجية القوة. فالأساس الايديولوجي للصهيونية لا يقبل بفكرة التسوية ويرى في منطق العدالة الإنسانية مخالفة لوعد إلهي. وهذا النوع من الدول من الصعب التفاهم معه ضمن معادلة تقبل بالمناصفة أو المرابعة أو المحاصصة. فالمنطق عند قادة هذه الدولة يخالف «الوعد». والوعد الإلهي هو الأقوى في نظر هذه الدولة.

تاريخ الدولة أيضاً يشبه تاريخ شارون. فهذه الدولة تأسست ضمن شبكة علاقات دولية صنعت في الخارج وصدرت إلى فلسطين. وشارون هو جزء من هذه الصورة. فهو قاد عشرات الهجمات ضد المدنيين، وقاد كتيبة الدبابات على جبهة السويس وأحدث ثغرة «الدفسوار» بمعونة أميركية، وقاد الحرب على لبنان واجتاح البلد الصغير في العام ، وخطط وأشرف على مجازر صبرا وشاتيلا في بيروت. وهو مهندس الاستيطان في الضفة الغربية بتمويل أميركي، وبنى جدار الفصل العنصري لتقطيع الأراضي المحتلة ومنع الفلسطينيين من التواصل والاتصال. وهو سابقاً عارض «اتفاق أوسلو» ورفض التنازل عن جزء مقابل الكل، وخالف مفاوضات كلينتون وعرفات وباراك خوفاً من أن تؤدي إلى التنازل عن جزء آخر مقابل التخلي عن الكل. وأيضاً هو من عقد تحالف الشر مع الرئيس الأميركي جورج بوش وافتعل حادث اقتحام المسجد الأقصى تمهيداً لعودته إلى السلطة وقيادة الحرب ضد السلطة الفلسطينية ومحاصرة عرفات في مقره حتى وفاته. وهو أيضاً عاتب حكومته على هزيمتها وانسحابها من جنوب لبنان ودعا مراراً إلى إعادة احتلال الضفة الغربية والجنوب اللبناني.

هذا التاريخ (الشخص والدولة) لا يبشر بالخير ولا يدعو للتفاؤل أو توقع وجود «حل وسط» من دولة تعتمد ايديولوجية «الوعد الالهي». شارون الذي انسحب من حزبه ليؤسس حركة سياسية ضمت كل الفاشلين والمحبطين في أحزابهم يستبعد أن ينتج حزبه الجديد تسوية سلمية تقوم على العدالة وتتخلي عن فكرتي الاستيلاء والطرد.

شارون في المستشفى الآن. والسؤال من بعده؟ شارون آخر

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1219 - الجمعة 06 يناير 2006م الموافق 06 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً