قال إبراهيم بن المهدي: استأذنت على الأمين يوما، وقد اشتد الحصار عليه من كل وجه (حصار المأمون لبغداد)، فأبوا أن يأذنوا لي بالدخول عليه، إلى أن كاثرتُ ودخلت، فإذا هو قد تطلّع إلى دجلة بالشبّاك، وكان في وسط قصره بركة عظيمة لها مخترق الى الماء في دجلة، وفي المخترق شباك حديد، فسلّمت عليه وهو مقبل على الماء، والخدم والغلمان قد انتشروا إلى تفتيش الماء، وهو كالواله، فقال لي وقد ثنّيت بالسلام وكرّرت: لا تدري يا عمي، فمقرطتي قد ذهبت في البركة إلى دجلة، والمقرطة: سمكة كانت قد صِيدت له وهي صغيرة فَقَرَطَهَا حلقتين من ذهب فيها ياقوت. قال: فخرجت وأنا آيسٌ من فلاحه، وقلت: لو ارتدع من وقت لكان هذا الوقت!
#وصيّة جنرال قبل الحج!#
قال علي بن الحسين المسعودي، في الجزء الثالث من «مروج الذهب»: حدّثنا المنقري، عن أبي عبدالرحمن العتبي، عن أبيه، قال: أراد الحجاج الحجَ فخطب الناس وقال: يا أهل العراق، اني استعملت عليكم محمدا (الثقفي) وبه الرغبة عنكم، أما انكم لا تستأهلونه، وقد أوصيته فيكم بخلاف وصية رسول الله (ص) بالأنصار، فإنه أوصى أن يقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم، وقد أوصيته ألا يقبل من محسنكم، ولا يتجاوز عن مسيئكم.
أما اني اذا ولّيت عنكم أعلم انكم تقولون: لا أحسن الله له الصحابة، وما منعكم من تعجيله إلا الفراق، وأنا أعجل لكم الجواب، لا أحسن الله عليكم الخلافة!
عرض هشام بن عبدالملك يوما الجند بحمص، فمر به رجل من أهل حمص وهو على فرس نفور، فقال له هشام: ما حملك على ألا تربط فرَسا نفورا؟
فقال الحمصي: لا والرحمن الرحيم يا أمير المؤمنين، ما هو بنفور، ولكنه أبصر حَوْلَتَك فظن انها عين غزوان البيطار.
فقال هشام: تنح فعليك وعلى فرسك لعنة الله. وكان غزوان البيطار نصرانيا ببلاد حمص، كأنه هشام في حوْلَته وكشْفته، أي انكشاف الشعر في مقدّم الرأس.
حين تزوج المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل، نثر على الهاشميين والقُوّاد والكتّاب والوجوه، بنادق (جمع بندقة، وهي كالرصاصة مملوءة بالمسك)، فيها رقاع بأسماء ضياع وأسماء جوارٍ وصفات دواب، وغير ذلك، فكانت البندقة إذا وقعت في يد الرجل فتحها فقرأ ما فيها فيجد على قدْر إقباله وسعوده فيها، فيمضي الى الوكيل الذي نُصّب لذلك، فيقول له: ضيعة يقال لها فلانة الفلانية، وجارية يقال لها فلانة الفلانية، ودابّة صفتها كذلك.
ذكر المسعودي في الجزء الرابع من «مروج الذهب»: أول من غنّى من العرب الجرادتان، وكانتا قينتين على عهد عاد، لمعاوية بن بكر العملقي، وكانت العرب تسمّي القينة، الكرنية، والعود، المزهر، وكان غناء أهل اليمن بالمعازف وإيقاعها جنس واحد، وغناؤهم جنسان: حنفي، وحميري، والحنفي أحسنهما.
ولم تكن قريش تعرف من الغناء إلا النصب حتى قدم النضر بن الحارث بن كلّدة بن علقمة بن عبدمناف بن عبدالدار بن قصي من العراق وافدا على كسرى بالحيرة، فتعلّم ضرب العود والغناء عليه، فقدم مكة فعلّم أهلها فاتخذوا القينات.
لما استُخلف عمر بن عبدالعزيز رضي الله تعالى عنه، دخل عليه سالم السدّي، وكان من خاصته، فقال له عمر: أَسرَّكَ ما ولّيت أم ساءك؟
فقال: سرّني للناس، وساءني لك.
قال: اني أخاف أن أكون قد أوبقت، أي أهلكت نفسي.
قال: ما أحسن حالك إن كنت تخاف. اني أخاف عليك ألاّ تخاف.
قال: عظني.
قال: أبونا آدم أُخرجَ من الجنة بخطيئة واحدة.
كان شَبَعُ سليمان بن عبدالملك في كل يوم من الطعام، مئة رطل بالعراقي، وكان ربما أتاه الطباخون بالسفافيد - جمع سفودة، وهي حديدة دقيقة يُشك فيها اللحم ليشوى - التي فيها الدجاج المشوية، وعليه جبّة الوشي المثقلة، فلِنَهَمِه وحرصه على الأكل، يُدخل يده في كُمّه حتى يقبض على الدجاجة وهي حارة فيفصلها.
قال الأصمعي: ذكرتُ للرشيد نَهَمَ سليمان وتناوله الفراريج بكُمّه من السفافيد، فقال: «قاتلك الله، فما أعلمك بأخبارهم! انه عُرضتْ عليّ جباب بني أمية، فنظرت الى جباب سليمان وإذا كل جبّة منها في كُمّها أثر كأنه أثر دهن، فلم أدر ما ذلك حتى حدّثتني بالحديث».
وذُكرَ انه خرج من الحمّام ذات يوم وقد اشتد جوعه، فاستعجل الطعام، ولم يكن فُرغَ منه، فأمر أن يُقدّمَ اليه ما لحق من الشواء، فقُدّمَ اليه عشرون خروفا، فأكل أجوافها كلها مع أربعين رقاقة، ثم قُرّبَ بعد ذلك الطعام فأكل مع ندمائه كأنه لم يأكل شيئا!
كتب عبدالملك بن مروان الى الحجّاج أنْ صف ليَ الفتنة. فكتب اليه: ان الفتنة تشب بالنجوى - أي تسعر نارها بالتسارّ في القول - وتحصد بالشكوى، وتنتج بالخطْب
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 1219 - الجمعة 06 يناير 2006م الموافق 06 ذي الحجة 1426هـ