أثارت بضع أفلام عرضتها قنوات فضائية لخدم منازل يضربن أطفالاً صغاراً... ويذقنهم مر العذاب، ردود فعل واسعة... حتى في البحرين، أصبح من شاهد واحداً من تلك البرامج يفتح عينيه ليبصر خادمته ويراقبها جيداً، فيما لم يتردد البعض الآخر في تشديد القيود عليها!
فالصورة التي بدت من خلال البرنامج أن هناك «فئة» من خدم المنازل... متمردون وحشيون... دميون، وحين يغضبون، فإنهم لا يكترثون للمعاش ولا يخشون الترحيل الى بلادهم.
والمشكلة لدينا في البحرين، أن الكثير من القرارات والأنظمة غير واضحة فيما يتعلق بالاستقدام وطريقة التعامل مع مشكلات الخدم لأنها تبدو معقدة من دون ريب!
لكن المشكلات لا تأتي فقط من جانب الخدم... فهناك من يتعامل مع الخادمة وكأنها من «بهيمة الأنعام»، فيما يعتقد البعض الآخر أنه امتلك الخادمة ليجعلها تلوك المر ليل نهار... فتنام بالبكاء وتصحو بالبكاء، وتنشد ذرة رحمة إنسانية تنقذها مما هي فيه.
أصبحت قضايا ومشكلات الخدم والأيدي العاملة الوافدة لكثرة تكرارها من الأمور الروتينية لدرجة أن الناس ما عادت تتفاعل مع الخبر على أنه حادث مهم، وإنما يهزون رؤوسهم آملين أن يسهل الله على الكفيل المسكين حاله وأن ييسر له أن تحل القضية ويدفع تكاليف السفر ليعيد الخادمة أو العامل إلى بلده سالما غانما ليرتاح ويهنأ باله.
إلا أن حال التشبع التي وصل إليها المجتمع لم تعن أن السكون سيستمر طويلاً، بل إن بعض المتضررين ثاروا وطالبوا بسرد قصصهم ومشكلاتهم، علّ الرأي العام يتحرك ويجد حلا لمشكلاتهم مع الجهات المعنية من وزارة العمل، والخارجية وحتى وزارة الداخلية... ولنقرأ بعض القصص في هذا التقرير:
قصة المواطن فواز عبدالعزيز (مهندس) حصلت منذ شهور قليلة قريبة، إذ إنه استقدم خادمة من إحدى الدول الآسيوية للمساعدة في أعمال المنزل، والتي أبدت تعاونها ولطفها في المعاملة خلال الشهور الأولى لحضورها، وبعد مدة لا تتعدى الثلاثة شهور تم ضبطها تحادث أحد أبناء جاليتها والذي يقطن في المنطقة نفسها بالهاتف، وبعد تهديده بعدم التعرض لها أو محاولة الاتصال بها من جديد، فوجئت الأسرة بأن الخادمة هربت فجأة من دون سبب، الأمر الذي استوجب إبلاغ الشرطة بذلك.
وخلال ساعات الانتظار تلقى فواز مكالمة من سفارة دولة الخادمة يبلغونه بوجودها لديهم وأنها تشتكي تقصيره في دفع راتبها وعدم تسليمه الرسائل التي تردها من أهلها لها، إضافة إلى أنه لا يوفر لها أكلات وطنها الشعبية!
وعند وصوله السفارة كانت الطامة الكبرى تنتظره، إذ إن الخادمة خرجت من السفارة من دون علمهم، وكانت الموظفة تستهين بتهديداته لها بأنه سيبلغ وزارة الخارجية عن الحادثة وتداعياتها؛ وفي اليوم التالي خابرته الموظفة وأخبرته بعودة الخادمة، فتحامل على نفسه وذهب ليجد أنها نامت لدى صديقها الذي ضبطها تكلمه!
يقول فواز لم أدر ما افعله فقد كنت أخشى أن أعيدها للبيت خوفا على أسرتي منها ومما تستطيع فعله في المنزل، فعقدت اتفاقاً مع أحد أصحاب المكاتب على أن يحولها داخلياً إلى أي شخص مقابل أي مبلغ يستطيع دفعه لي كتعويض عن مصاريف جلبها.
تذكر المواطنة أم حسين حادثة مرت بها مع إحدى الخدم التي كانت منذ وصولها متمردة غير خاضعة لطلبات أصحاب البيت، وكانت تتعمد استفزازهم بارتداء الملابس التي تبرز مفاتن جسدها وتكشف عن رأسها حتى في وجود الرجال وتتعمد القيام بحركات غير محببة، ما جعلها موضع توبيخ مستمر. وفي إحدى المرات طرقت أم حسين عليها باب الغرفة لتطلب منها أن تخفض صوت الموسيقى لتجنب إزعاج الجيران، فما كان منها إلا أن رفعت سكينة في وجهها وصرخت: «أنا لست خادمة، أنا لا أعمل عندك»، فبهتت أم حسين وأقفلت الباب الذي يفصل المنزل عن الملحق الذي تسكنه الخادمة وطلبت من زوجها أن يبلغ الشرطة بالهاتف، فحضروا وقبضوا عليها وتم تسفيرها خلال أسبوع من الحادثة على نفقة الكفيل.
يفضل المواطن «أحمد» أن يحكي حكاية الجيران فيقول، كانت بنت جيراننا نائمة في الغرفة ففزعت من نومها على صوت شيء يسقط فوق مكيف الغرفة، فهبت لغرفة والديها وأخبرتهما عن الصوت، وعند تفحص الفناء المقابل لغرفة البنت اكتشفوا أن الخادمة تمد لها حبلا من فوق السطح وتخرج من المنزل بهذه الطريقة لممارسة الدعارة، كما أسفر التحقيق لاحقا، وأن توازنها اختل هذه المرة وهوت على المكيف ثم صرعت فوق فناء المنزل.
وفي السياق نفسه تقول أم محمد إنها ضبطت لدى خادمتها ثلاثة هواتف نقالة أهداها إليها بعض الأجانب من جنسيتها ليتمكنوا من الاتصال بها متى ما أرادوا ليحددوا معها مواعيد للقاءات كانت تتم في بيتهم وفي غيابهم. وكان الأدهى أنهم ضبطوا مبالغ نقدية كبيرة مخبأة في غرفتها وكأنما كانت تحصل على معاش إضافي غير الذي تتسلمه.
ومن جانب وزارة العمل، كما يرى المواطن ياسين خليل (أعمال حرة) أن تعين مفتشات من النساء يقمن بعمليات تفتيش وضبط للخدم اللائي يتنقلن وينتشرن في كل مكان، أو أن من الحلول المقترحة هو الاستفادة من كوادر شرطة المجتمع في إعطائهم الصلاحيات للتحقق من أوراق العمال الذين ينتشرون في كل مكان من دون حسيب أو رقيب للتمكن من تقليل أعداد الخدم الهاربين من المنازل الذين هم في مأمن من كشف أمورهم. وقد تعرض ياسين لحادثة هروب خادمة منذ ما يقارب سنوات ظل فيها يدفع رسوم تجديد رخصة الإقامة بشكل منتظم من دون أن تظهر الخادمة، ويضيف أن وزارة العمل تغرم من لا يدفع الرسوم لمدة سنتين متتاليتين من دون اعتبار لهروب الخادمة عوضا عن أنه ملزم في حال عودتها أو حتى في ظروف ضبطها متلبسة تعمل في أي مكان آخر بدفع قيمة تذكرة سفرها.
لم نحظ اهتمام أصحاب مكاتب استقدام الخدم للمشاركة في هذا الاستطلاع للوقوف على مقترحاتهم وما يمكن أن يطرحوا من آراء في هذا الموضوع، والغريب في الأمر أن معظم من اتصلنا بهم كانوا يجمعون على «أن هذا الموضوع قديم وأشبع بحثاً ونقاشاً في الصحافة ولم يعد مجدياً»، لكن لطالما أن المشكلات قائمة فما المانع من اعادة الكتابة في الموضوع؟!
لكن أحد أصحاب المكاتب (فضل عدم ذكر اسمه) أشار الى أن المشكلة ليست في القوانين والأنظمة المتبعة في البحرين، فهي قوانين وأنظمة راقية بحسب قوله، لكن المشكلة تعود الى التجاوزات والمخالفات والقفز على القانون واتجاه البعض للتجارة في الرقيق الأبيض!
ويضيف عبارة مهمة أيضا: ليس المواطنون والمقيمون هم من يتعرض للأذى فقط على أيدي الخادمات... الخادمات يتعرضن لبلاء أشد على أيدي المخدومين، وهذا جانب يجب أن تضعوه في الاعتبار، فهناك العشرات من الخادمات يتعرضن يومياً لأبشع صور التنكيل في المنازل.
تشير دراسة مهمة اجراها المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الشئون الاجتماعية والعمل بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الى أن هناك جوانب سلبية يتركها التوظيف المفرط للخادمات على المجتمعات الخليجية.
الدراسة اشارت الى ان ما يربو على مليونين من خادمات المنازل في دول الخليج العربية يمارسن اعمالهن من دون غطاء قانوني ويواجهن مشكلات متعددة في مقدمتها سوء المعاملة والانتهاكات الجنسية اضافة الى عدم دفع الرواتب أو التأخر في دفعها.
واشارت الدراسة الى ان العمالة المنزلية لا تخضع لقانون العمل في أي من دول مجلس التعاون الخليجي الست.
والدولة الوحيدة التي تملك قانونا خاصا بهذا الشأن هي الكويت غير انه فشل في وقف الاعتداءات على الخدم.
وتطبق البحرين جزءا من قانون العمل على الخدم، لكن لا توجد حماية قانونية لهذه العمالة في اي من الدول الاخرى خارج نطاق القوانين العامة.
واكدت الدراسة ان الضرب من قبل المخدوم وعدم مراعاة انسانية الخدم اضافة الى التحرشات الجنسية وهتك العرض تأتي في مقدمة المشكلات التي تواجهها الخادمات.
ومن المشكلات الاخرى عدم دفع الرواتب أو التأخر في دفعها وتكليف الخادمات ببعض الاعمال التي تفوق طاقاتهن وعدم اعطائهن وقتا كافيا للراحة اضافة الى عدم التكيف مع عادات المجتمعات العربية وتقاليدها.
ولا تمنح العائلات ايضا راحة اسبوعية للخادمات اللواتي يجبرن على العمل ساعات طويلة.
وطبقا لاحصاءات رسمية فإن عدد العمالة المنزلية في السعودية وصل سنة الى ألفاً وفي الكويت الى ألف وفي سلطنة عمان الى ألفاً وفي البحرين الى ثلاثين ألفاً.
ولم تتوافر بيانات بشأن قطر، في حين بلغ عدد الخدم في الامارات بنهاية حوالي ألفاً.
لكن من المؤكد ان هذه الارقام ارتفعت خلال السنة الحالية. ففي الكويت مثلا بلغ حجم العمالة المنزلية حوالي ألفاً.
وفي الامارات والكويت هناك خادمة واحدة لكل اثنين من رعايا هاتين الدولتين بينما هناك خادمة واحدة لكل عائلة في المتوسط في كل من السعودية، عمان والبحرين. ولا تتوافر احصاءات عن قطر.
ويبلغ عدد سكان مجلس التعاون الخليجي حوالي مليون نسمة بينهم أكثر من أحد عشر مليون عامل أجنبي.
وتفوق التحويلات المالية السنوية لهذه العمالة إلى بلدانها مليار دولار.
وتأتي الغالبية العظمى من العمالة المنزلية من الهند، سريلانكا، بنغلاديش، الفلبين، اندونيسيا وباكستان وفي غالبية الاحيان من الريف وأكثر من نصفها من الاميات أو شبه الاميات.
وطبقا للدراسة يبلغ متوسط عمر الخادمة حوالي ثلاثين سنة، لكن هناك خادمات تبلغ اعمارهن عشرين سنة وأقل من ذلك وحوالي ثلثي الخادمات اما متزوجات أو كن متزوجات.
على الصعيد الديني، تأتي المسيحيات في المقدمة تليهن المسلمات ثم البوذيات والهندوسيات. وتقل نسبة العربيات بين الخادمات عن واحد في المئة.
وطالب عدد من دول الخليج بمنح الاولوية في جلب الخادمات إلى العربيات أولاً ثم المسلمات، وذلك للتغلب على مشكلات لغوية ودينية سببتها الخادمات الأجنبيات وغير
العدد 1219 - الجمعة 06 يناير 2006م الموافق 06 ذي الحجة 1426هـ