«حين يضيق الصدر... وتدمع العيون حزناً على فراق فلذات الأكباد الأحياء في دار الدنيا، يصبح من الصعب على أولئك الشموع... الآباء والأجداد المنتظرين لزيارة عزيز عليهم... تذوق حلاوة ما تبقى من أيام الدنيا من دون النظر الى الوجوه التي أخذت مكانها في القلب».
على كرسي متحرك في إحدى دور العجزة، جلس الحاج (...) فرحاً بزيارة ابنته الكبرى وأحفاده... كانت الفرحة لا توصف، فقد اغرورقت عيناه بالدموع، فيما راح أحفاده يقبلون يديه وجبينه.
هؤلاء، الشموع الغالية، وخصوصاً أولئك الذين «رماهم» أبناؤهم في دور العجزة ونسوهم من حياتهم، وأصبحوا بالنسبة لهم أوراقاً مهملة في دور العجزة، لم يكونوا بعيدين عن رعاية كل الشرائع والأعراف التي دعت الى صيانة حقوقهم... كبار السن، لهم حقوق. لكنها، كيف تتعرض للانتهاك الصارخ في مجتمعاتنا الإسلامية؟!
قلوبهم كبيرة تحمل الحب لأبنائهم... أكثر من شيخ كبير وامرأة طاعنة في السن، لايزالون ينتظرون زيارة عزيزة تعيد اليهم بعض البهجة وتزيل عن القلب كثير عناء... تمضي السنون تلو السنين أحياناً، فلا يرون من فلذات أكبادهم أحداً... يصف الحاج (ط) رغبته في رؤية أبنائه من خلال ابلاغه الزوار في دار العجزة: «يا بوك خبر ولدي (...) ابغي اشوفه لو خمس دقائق»! صعب هذا الكلام على من يحمل في قلبه ذرة إحساس، لكن كبار السن حين يتحدثون عن اللهفة والشوق لرؤية أبنائهم، فإنهم يتحدثون بمرارة، فالكثيرون منهم أصبحوا في طي النسيان بالنسبة الى أبنائهم على ما يبدو، وعلى رغم أن هذه القصص أصبحت من القصص القديمة التي تعود الناس سماعها، فإن بعض العاملين في دور العجزة يقولون إن هناك بعض المسجلين في الدور، لا يأتي أبناؤهم لزيارة الا حين الوفاة!
وهناك من المهتمين بشئون كبار السن من وضع أسساً لكسر هذه الظاهرة المخيفة من خلال خلق التواصل بين دار العجزة والأهل وتفعيل الزيارات وتنظيم اللقاءات على اختلافها، فمديرة دار المنار لرعاية الوالدين فاطمة بوعلي واحدة من أولئك الذين وجدوا في نشر الثقافة الدينية والوعي الديني والاجتماعي برعاية الوالدين مدخلاً لتحسين الوضع ولإنعاش قلوب كبار السن برؤية الأهل بين فترة وأخرى.
وتعتقد فاطمة بوعلي أن فئة كبار السن تعد من الفئات المهمة بالنسبة إلى كل المجتمعات، لكنها تشير الى أن مستوى الرعاية المقدمة لكبار السن لا يجب أن يتحول الى مظهر عكسي من خلال تزايد الرغبة في نقل كبار السن من المنزل... من حضن الأسرة الى دار العجزة، فالرعاية الأسرية الحميمة للمسن مطلوبة في المنزل بالنسبة إلى المقتدرين، أما اذا تطلب الأمر نقل مسن لرعاية دار العجزة أو للرعاية الطبية العلاجية فذلك أمر يختلف.
وتختصر بالقول إن رعاية كبار السن أصبحت مسئولية الدولة ومسئولية المجتمع ومسئولية الأسرة دفاعاً عن حقوقهم وتأكيدها.
وتعد مسألة حماية حقوق المسنين، الذين يزداد عددهم باستمرار، إحدى التحديات الكبيرة لمختلف الدول النامية منها والمتقدمة، الأمر الذي يتطلب اهتماماً خاصاً بالموضوع.
وقد أعلنت الأمم المتحدة، العام في اجتماع لمندوبي دولة، العقد التاسع من القرن العشرين «عقد المسنين»، ورفعت منظمة الصحة العالمية العام شعار «فلنضف الحياة إلى سنين العمر» وطلبت من فروعها في مختلف المناطق أن تقدم مشروعها العملي الجامع لتحقيق هذا الشعار.
وتذهب تخمينات الأمم المتحدة إلى أن عدد المسنين في العالم العام م بلغ مليون إنسان وتصاعد إلى مليوناً العام م كما بلغ العام ( مليوناً)، وسيتجاوز حد المليار ومئة مليون حتى العام . أي ان نسبة ازدياد المسنين تتجاوز نسبة ازدياد السكان في العالم.
ووفقاً لهذا التوقع فإن فرداً من كل أحد عشر فرداً من سكان العالم كان يبلغ الستين عاماً العام وسيصل هذا إلى واحد من كل سبعة أشخاص العام .
ويربط بعض المواطنين، والباحثين الاجتماعيين الإهمال الواقع على المسنين في المجتمع بعدم توجيه اهتمام المجتمع اليهم، وخصوصاً فيما يتعلق بالرعاية التي يجب أن يحصل عليها المسن في منزله وسط أسرته. ويقول الباحث الاجتماعي عبدالرزاق عبدالله إن رعاية المسنين بدأت تتضح شيئاً فشيئاً لكن لاتزال هناك شريحة كبرى تحتاج الى عمل والى برامج يجب على الدولة تطبيقها لتحسين الخدمات المقدمة للمسنين، فارتفاع نسبة الطاعنين في السن يتطلب خدمات أكبر في المجالات الصحية والاجتماعية، كما أن الاتجاه العمري لدى السكان نحو التعمير يؤدي إلى هبوط نسبة الأطفال وخصوصاً في الأقطار المتقدمة، ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة السأم والقلق والاختلالات النفسية للمعمرين بسبب إحساسهم بالوحدة والوحشة.
فالأقطار النامية من خلال ظواهر الاتجاه نحو مجتمع المدن، والمجتمع الصناعي والتحديث بما يصحبه من تغيرات اقتصادية واجتماعية تتعلق بها وتغير من عاداتها الاجتماعية، والعلاقات القائمة بين الجيل الماضي والجيل الحاضر والتي تحولت من مرحلة المطلق إلى مرحلة الفتور والنسبية، ومشكلة السكنى، والهجرة، ودخول المرأة ميادين العمل السياسي... كل ذلك أدى إلى الشعور بضرورة التخطيط لمواجهة هذا التحدي الكبير ومواجهة الآثار السلبية الاقتصادية والاجتماعية لأنماط الأمراض والضعف، والضغط العائلي بين ملايين الرجال والنساء الذين يصلون إلى هذه السن مع تأكيد: الوقاية، والسمو الصحي وحفظ السلامة البدنية في السنين الأولى من هذه الحالة، مع دعم العوائل والتقاليد التي تحتضن المسن وتقوم على إشباع رغباته.
ويؤكد تقرير الأمم المتحدة، ضرورة توفير الحماية للمسنين بأوسع من مسألة الاتجاه نحو علاجهم وضرورة الاتجاه نحو توفير أبعاد رفاههم، وخصوصاً من خلال ملاحظة العلاقة بين السلامة الجسمية، والنفسية، والاجتماعية، والبيئية. وإن الهدف الأساس في هذا المجال توفير الخدمات الصحية للمسنين ووقايتهم من خلال الاحتفاظ بمستوى قيامهم بوظائفهم البدنية على التمتع بكيفية أعلى من الحياة الفردية ومشاركتهم الفعالة في النشاط الاجتماعي، والوقاية من الأمراض
العدد 1219 - الجمعة 06 يناير 2006م الموافق 06 ذي الحجة 1426هـ