العدد 1218 - الخميس 05 يناير 2006م الموافق 05 ذي الحجة 1426هـ

هايل الفاهوم رجل السلطة الوطنية الفلسطينية الجديد في ألمانيا

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

جاء طالبا لكن قدره جعله كفلسطيني مشرد أن يروج لقضية شعبه وفي مكان صعب جدا: ألمانيا الغربية. هذا البلد الأوروبي الذي له علاقة خاصة جدا مع «اسرائيل» ولا يقبل المساومة عليها مهما يكن. حاول عبدالله افرنجي في عقد الستينات كرئيس لاتحاد طلبة فلسطين في ألمانيا الغربية أن يستغل الإمكانات القليلة الموجودة حوله ليدافع عن حق شعبه الذي شردته «اسرائيل» وأقامت كيانها على أراضيه وداست على حقوقه ولاتزال تفعل ذلك اليوم.

وجد افرنجي تأييدا من قبل المعسكر اليساري في ألمانيا الذي اقتنع بأن للفلسطينيين حقوقاً وأن سلام «إسرائيل» لا يمكن أن يتحقق من دون حصول الفلسطينيين على حقوقهم. شاء القدر أن يكون بين الذين اقتنعوا بعدالة القضية الفلسطينية شاب يدعى يوشكا فيشر. زار هذا الجزائر مرة في نهاية الستينات لحضور مؤتمر مناصر لمنظمة التحرير الفلسطينية ووقف على بعد أمتار يصفق بحدة حين أطل على الحضور ياسر عرفات زعيم المنظمة. بعد وقوع عملية ميونيخ حين أغارت قوة فدائية فلسطينية على القرية الأولمبية وقام أفرادها باحتجاز أعضاء الفريق الإسرائيلي، وما نتج عن ذلك من حمام دم أودى بحياة الإسرائيليين ثم انتقم الموساد الإسرائيلي حين نجح بالقضاء على أفراد القوة الفلسطينية التي نفذت هذه العملية الجريئة واحدا بعد الآخر، أبعدت السلطات الألمانية افرنجي مع عدد من الفلسطينيين ثم عاد بعد سنوات وتزوج من ألمانية ضمنت له حق الإقامة مثلما ضمنه له ذلك أيضا جواز سفر دبلوماسي من الجزائر وبدا عمله السياسي من جديد كممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية في ألمانيا. ساعدته لغته الألمانية الجيدة في نقل معاناة شعبه إلى منازل الألمان حين كان يطل عليهم عبر التلفزيون. وفقا لأقوال مقربين منه تعرض افرنجي أكثر من مرة للاغتيال وفي إحدى المرات قصده شاب فلسطيني اعترف أنه أتى ليقضي عليه. لم يكن الموساد وحده يترصد افرنجي.

العلاقة الشخصية الوطيدة التي عقدها افرنجي وهو أب لولدين، مع فيشر، لم تثمر حين عين الأخير في أكتوبر/ تشرين الأول نائبا للمستشار ووزيرا للخارجية. فقد ظل افرنجي بالنسبة إلى فيشر ممثلا لمنظمة التحرير ولم يعامله مثلما عامل السفير الإسرائيلي لأن فيشر تغير في هذا الوقت وتنصل من ماضيه وأصبح يفعل كل ما شأنه أن يجعله صديقا وفيا لـ «إسرائيل». طيلة السنوات السبع التي أمضاها في الحكم ظل وفيا لـ «إسرائيل» وكان وزير الخارجية الألماني الوحيد الذي لم يدن مرة جرائم «اسرائيل» ضد الشعب الفلسطيني.

بسبب المرض والعمليات التي خضع لها افرنجي في ألمانيا اختار طريقا جديدا، فقد قرر الانتقال للعمل في فلسطين بذلك أصبح منصبه في ألمانيا شاغرا. أبعد المرض افرنجي عن العمل السياسي والإعلامي فترة من الزمن استغلها السفير الإسرائيلي في ألمانيا شيمعون شتاين ليصرح ويهاجم الفلسطينيين من دون أن يوقفه أحد، مثلما كان يفعل افرنجي الذي حصل على تعاطف كبير عند المواطنين الألمان وعدد من السياسيين. هذا ما أكده الحضور الكبير في حفل وداعه الذي أقامته وزارة الخارجية الألمانية وظهر فيه شخصيات سياسية من الصف الأول. لكن افرنجي سيبقى على اتصال دائم مع ألمانيا حيث تعيش زوجته في منزلهما المتاخم لمنزل الرئيس الألماني الراحل كارل كارستنز بضاحية مكنهايم قرب بون. أحد الصحافيين العرب ذكر مرة أن افرنجي لم يكن يحب دعوة صحافيين عرب لمنزله حتى لا يشاهدوا السجاد النفيس.

في قاعة بفندق غراند بارك في رام الله ودع افرنجي سفير السلطة الفلسطينية الجديد في ألمانيا هايل الفاهوم. سيبدأ الفاهوم مرحلة جديدة للعلاقات الفلسطينية الألمانية. بينما كانت علاقات افرنجي الشخصية مع المسئولين الألمان من مختلف الأحزاب، فإن الفاهوم سيكون رجل السلطة ومرحلة ما بعد ياسر عرفات. مثلما كان الإسرائيليون يهابون افرنجي كلما ظهر على التلفزيون، سيهاب الإسرائيليون الفاهوم لأنه من الصنف الجديد من الدبلوماسيين الفلسطينيين. مثلما فهم سلفه حياة وطباع الألمان يعرف هايل الفاهوم حياة وطباع الإسرائيليين. درس رجل السلطة الفلسطينية الجديد في ألمانيا كيمياء الأحياء في الجامعة العبرية بمدينة القدس ومن هناك عمل في السلك الدبلوماسي في تونس ثم في باريس. مع تسلم ناصر القدور - أحد أقرباء عرفات - منصب وزير الخارجية وكان قبل ذلك سفيرا لفلسطين في الأمم المتحدة، بدأ عملية بعيدة المدى لتأسيس وزارة خارجية فلسطينية فعالة وراح يغير ممثلي المنظمة في الخارج وهذا ما لم يفلح به وزير الخارجية السابق نبيل شعت. لزمن طويل كانت المحسوبية تلعب دوراً في تعيين ممثلي المنظمة في الخارج. هايل الفاهوم من الحرس الفلسطيني الجديد وبلغ قبل أيام عامه الـ منذ العام يعيش الفاهوم في رام الله وهو على بينة من التغييرات التي حصلت في فلسطين بعد تأسيس السلطة الوطنية وعانى كغيره من أبناء شعبه من ممارسات الاحتلال التي تمس حياة الفلسطينيين يوميا منها على سبيل المثال صعوبة الحياة اليومية وفي برلين سترتاح الأسرة من عناء الاحتلال عدة سنوات.

يجد هايل الفاهوم الكلام الطيب حين يتحدث عن العلاقات الفلسطينية الألمانية التي بدأت مرحلة جديدة بعد التوقيع في سبتمبر/ أيلول على اتفاق أوسلو. فقد دعت ألمانيا عرفات لزيارتها أكثر من مرة ثم انضمت قبل أشهر على وفاته لجمع الذين قاطعوه. قال الفاهوم في تصريح نشرته صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه» أنه سيعمل في تعميق العلاقات بين السلطة الفلسطينية وألمانيا وقبل كل شيء سيسعى إلى تحسين صورة الفلسطينيين عند الألمان وقال: صحيح نحن فقراء ولكننا نعيش في منطقة إذا تحقق فيها السلام وانتعش اقتصادها فإن شعوبها ستنعم بمستقبل أفضل.

هايل الفاهوم المولود في الناصرة تلقى دراسته الأولى في مدرسة مسيحية أميركية وعقد صلات مع يهود وتساعده معرفة المجتمع الإسرائيلي وصداقته مع إسرائيليين بأن يفهم متطلبات كل طرف. تحدث عن علاقة تجمع بين الحب والكراهية بين الفلسطينيين والإسرائيليين وقال: نحن أبناء عم وأشقاء. وأضاف الفاهوم قوله: مشكلتي «اسرائيل» وأنا مشكلة لـ «اسرائيل». نعاني نحن الفلسطينيين مثلما يعاني الإسرائيليون وينبغي التوصل إلى حل. في القريب ستسافر المستشارة أنجيلا ميركل إلى «اسرائيل»، وسيحصل الفاهوم على انطباع عن موقف الحكومة الجديدة من النزاع الفلسطيني الإسرائيلي ليقوم على أساسه في رسم صورة عمله في بلد تعميه عقدة الذنب عن لعب دور حيادي في النزاع، بل الممول الأكبر الثاني للدولة العبرية بعد الولايات المتحدة. سيفلح هايل الفاهوم في مهمته إذا نجح في إقناع الألمان أن اضطهاد الألمان النازيين وغيرهم من الأوروبيين ليهود أوروبا ساعد في تشرد الشعب الفلسطيني وخسارته أرضه وأن الوقت حان ليجري تصحيح هذا الخطأ.

العدد 1218 - الخميس 05 يناير 2006م الموافق 05 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً