حين يسلّم مشروع ما كاستنطاق الذاكرة الوطنية في جانب من موضوعات الحراك الوطني، لفرد أو مجموعة ليست على قدْر كافٍ من الإمكانات، من حيث معرفتها بالأطراف الفاعلة في الذاكرة، وحقيقة مساهمتها ودورها وموقعها في ذلك الحراك، إضافة إلى عدم تحريها الأمانة والدقة في ذلك، من خلال ما تمخض عن ذلك الاستنطاق... حين يحدث ذلك، تتحول مثل تلك المشروعات الى مخطط جاهز لفتن، وخلط أوراق، وتعمية على الحقائق وتغييبها، بل وإخراسها في نهاية المطاف. الانطلاق نحو تلك المشروعات بحجّة التوثيق، أو إعادة الكتابة تارة، وتارة أخرى بالتمترس وراء تغيّر الظروف الموضوعية، وتارة ثالثة بتسجيل شهادات على مرحلة ظلت طي الكتمان، وفي خانة المسكوت عنه لأكثر من اعتبار... كل ذلك لا يعتّم على حقيقة أن القائمين على تلك المشروعات، لهم حساباتهم وأهدافهم التي لا يصب معظمها في صالح الذاكرة ولا الحراك، ولا اعادة الكتابة، ولا تسجيل الشهادات. هي «بالعربي الفصيح»، محاولات ترمي - فيما ترمي إليه - إلى ضرب التوجه المفترض به أن يكون واحدا من الداخل، واستدراج أطرافه لاستدعاء المتراكم من الخلافات والإحن، عل توجها كالذي نشهده في بعض الصحف المحلية، يثمر عن صدامات وانشغالات بالشخصي على حساب الجماعي، وشحذ سكاكين المرجعيات على حساب التواؤم الذي تتيحه المرجعية الرئيسية المتمثلة في الدين والانتماء للوطن. تظل محالات اللعب على تنويع تلك الاستنطاقات - على رغم عاديتها وخلوّها من المعقد من الإشكالات، علاوة على ندرة تأثيرها في الحراك العام ونتائجه - مكشوفة لمن أوتي نصيبا أدنى من الفطنة والقدرة على الفرز، إذ لا يعدو ذلك كونه «احتلابا» لحال من التوازن المفقود أساسا، بحكم تكشّف نوايا القائمين على مثل تلك المشروعات.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 1218 - الخميس 05 يناير 2006م الموافق 05 ذي الحجة 1426هـ