إن دخول الجيوش المتعددة الجنسيات بقيادة أميركا إلى العراق جاء بعد حسابات دقيقة من كل الأطراف المعنية بالقضية العراقية... أميركا، وبعد أن تيقنت بحسب قراءتها للحوادث التي بدأت منذ انسحاب النظام العراقي برئاسة المخلوع صدام حسين من أرض الكويت الشقيقة إلى وقت قرار سقوطه وبعد خلو الساحة من الاتحاد السوفياتي أصبحت القوة المسيطرة عسكريا على العالم الحديث، أصبح لزاما عليها أن تغير استراتيجياتها في تعاملها مع الأنظمة التي لم تعد تستطيع حفظ مصالحها في المستقبل، فارتأت أن تلجأ إلى دغدغة الشعوب ببعض الشعارات الرنانة والبراقة مستغلة التباين الواسع بين الشعوب وأنظمتها، واختارت العراق لأن يتكون المنطلق الذي تهدد به بعض الكيانات العاجزة عن تحقيق أهدافها واعتقدت أن احتلالها للأرض العراقية يحل لها الكثير من المسائل الاقتصادية والسياسية بشخصيات مختارة من قبلها من دون منازع ولا معارض، وتصورت أنها ستتربع على أكبر حوض نفطي في العالم يمكّنها من التلاعب بأسعار النفط بالشكل الذي ترتئيه وفي الوقت الذي تختاره، وستتحكم في قرارات منظمة الأوبك وقتما تشاء، وستملك حركة الملاحة في مياه الخليج العربي ومنفذ مضيق هرمز خصوصا... أحلام وردية شجعت الإرادة الأميركية على الاستجابة إلى الأصوات التي دعتها إلى إسقاط النظام المهيمن على مقدرات الشعب العراقي سنوات طويلة وبدعم أميركي في كل المنعطفات الخطيرة التي بها النظام المقبور وفي مراحل كثيرة هددت بسقوطه بأيدي الشعب العراقي لولا تدخل اليد الأميركية كما حدث في الانتفاضة الشعبانية العام م، وعلم العالم بأجمعه كيف أطلقت الإدارة الأميركية يد النظام العراقي ليفتك بالشعب المظلوم ويخلف من جديد ضحايا عجزت كل الدوائر الحقوقية عن تحديد عددها من كثرتها، وأصبح العراق يشتهر بالمقابر الجماعية المنتشرة في أكثر المحافظات التي دفن النظام العراقي فيها شباب ورجال ونساء وأطفال الشعب العراقي الصامد وهم أحياء من دون رادع إنساني ولا استنكار عربي، وكل تلك المآسي حدثت بعلم وإرادة الإدارة، وفي الوقت الذي يئن فيه شعب بلاد الرافدين من ضربات نظام صدام القاسية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى مؤلم.
الإعلام الناطق باللغة العربية يطبل ويزمر للزعيم الأوحد ويمتدحه ويصفه بأوصاف لا يرتقي إليها إلا من جعله الله في أعلى عليين، تلك الأبواق التي كانت تقتات من قوت الشعب العراقي المظلوم والتي تعودت على العيش الحرام... الآن وفي ظل المتغيرات الحالية أصبحت يتيمة لا تجد من يسرق اللقمة من فم العراقيين ويعطيهم إياها، فراحت تشكك في أي خيار يجمع عليه أكثر الشعب العراقي... نقول وبحسب ما عرفناه عن الشعب العراقي إنه يحوي شخصيات من الرجال والنساء وطنية ومخلصة للمبادئ التي حملوها طوال سنوات نضالهم، ولم يحيدوا عنها واستطاعوا أن يستثمروا القوة الأميركية لتحقيق أهدافهم، ولم تستطع أميركا بقضها وقضيضها أن تحرفهم عن الخط الذي اختاروه لأنفسهم، مستغلين الشعارات التي رفعتها الإدارة الأميركية وقت دخولها العراق ليلزموها بالتقيد بها وأن تترك الشعب العراقي يختار مصيره بنفسه من دون تدخل، فألجمت بشعاراتها أمام العالم أجمع.
العراق يختلف عن كل دول العالم شئنا أم أبينا، شعبه لا يطيق الأجنبي، شعبه يدين بمرجعياته على مر السنين والدهور وليس مستعدا للتضحية بهذا الجانب المهم في حياته، ومرجعياته زاهدة في الدنيا ولا تفكر في حطامها، وهذا يصعب بل يستحيل على أية جهة استمالتها إلى صالحها، ويشعر الشعب العراقي أنها تمثل صمام الأمان في كل الظروف، ويعلم أيضا أنها الجهة التي لا تفكر إلا في مصالحه من دون الخضوع لأحد من البشر مهما كان ذلك البشر، والسنوات الماضية أثبتت أنها حريصة على كل الشعب العراقي سنته وشيعته وتركمانه وأكراده وبقية الأطياف من دون النظر إلى عرق أو مذهب، آخذين من كلمة علي بن أبي طالب التي قالها في زمانه واخترقت التاريخ حتى وصلت إلى زماننا وفعّلها ورثة الأنبياء في واقعهم العملي وبثتها في أوساط الناس وأصبحت ثقافة أصيلة يتغنى بها الشعب العراقي الأبي... أتعرفون ما تلك الكلمة النورانية التي حصنت دماء العراقيين وأبعدتهم عن الصراع الطائفي وعصمتهم من الحرب الأهلية، وكأن الإمام قالها لهذا الزمان العصيب؟ قال «الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق».
كان يقصد من ورائها الحفاظ على النفس الإنسانية بمعناها الواسع وألا نسمح لأنفسنا استباحة دماء الآخرين مهما اختلفنا معهم، وهذا الذي جعل المرجع الكبير السيد السيستاني عندما وفد عليه زعماء العشائر العراقية يطلبون منه الإذن لردع القتلة والإرهابيين الذين يقتلون الناس على الهوية، قال لهم وبكل وضوح لو قتل نصف الشيعة لا آمركم بقتل إنسان عراقي أبدا، وردد كلمة خيرة طيبة أصبحت نبراسا وبلسما للشعب العراقي كله حينما خاطب الشيعة قائلا «لا تقولوا إخواننا (ويقصد بهذا السنة) بل قولوا أنفسنا»... بهذه النفسيات الراقية عجزت الإدارة الأميركية ومن لف لفهم ممن تلبسوا بالدين والوطنية أن ينالوا من وحدة العراق، وسار بخطى ثابتة لا تثنيه عن مواصلة الطريق السيارات المفخخة التي حصدت الآلاف من الشعب العراقي، ولا الاغتيالات التي استهدفت رجالاته الأفذاذ، على رغم الأصوات النشاز التي تدعي زورا وبهتانا أنها تعمل من أجل الشعب العراقي والتي تسمي القتلة وأصحاب السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة الذين يفجرون الأماكن بالرجال والنساء والأطفال وفي دور العبادة بالمجاهدين والاستشهاديين في حملتهم الانتخابية من دون حياء من الله واستحياء من الشعب وتروج لهم بعض الفضائيات التي ثكلت بعد سقوط نظام صدام وانقطاع عطاياه السخية التي أتخمت بطونهم وأعمت عيونهم عن الحقيقة وأصبحوا كالعبيد لا يعرفون من دنياهم إلا الجزرة والعصا.
كم عالمنا اليوم بحاجة إلى شخصيات روحانية عرفت الله وعشقته بكل جوارحها وتذللت أمام عظمته وذلل لها كل الصعاب وهون عليها ما يصيبها من مصائب الدهر، وجعلها مطمئنة راضية بقدره غير جازعة ولا وجلة من كل ما يصيبها، صلبة في مواقفها مع كل فرد أو جهة تريد النيل من كرامة الإنسان، فقد أعجز الحاكم الأميركي بريمر بعد دخول قوات الاحتلال العراق من خلال رفضه مقابلته وعدم الاعتراف به كحاكم لعراق الحضارة، وأفشل الخطة الأميركية التي أرادت كتابة الدستور، وأجبرها على أن تنصاع للإرادة العراقية وأن يكتب الدستور بأيدي أبناء العراق، وأثبت من خلال مواقفه المبدئية لهم أن لا سبيل لهم إلا أن يسلموا الأمر بكامله إلى الشعب العراقي وقتما يشاء، رسالته وصلت بقوة إلى الإدارة الأميركية وواضحة جلية لا لبس فيها. نسأل المولى جلت عظمته أن يحفظ شعب العراق شماله وجنوبه ووسطه وغربه من كل سوء وأن يبعد عنهم شر الأعداء، وأن يمن عليهم بوحدة الكلمة وأن يجعل حاضرهم خيرا من ماضيهم ومستقبلهم أكثر ازدهارا من حاضرهم، وأن يحفظ لهم مرجعياتهم الدينية والسياسية بعينه التي لا تنام.
سلمان سالم
لا نقول إنها حالة خاصة أو عابرة، بل أصبحت ظاهرة واضحة نسمع بها كل يوم وليلة، وهي تتعلق بظاهرة «تمرد الأبناء» وخروجهم عن طاعة الوالدين. بالأمس جاءني أحد الآباء وقال: لعن الله هذا الولد المتمرد على أمه وأبيه، فقلت له: من هو؟ قال: ابن اللعين الذي لا يستحي، فقلت: ما به؟ قال: في كل صباح ومساء يضرب أمه ويتلفظ عليّ بألفاظ نابية!
هذا جانب، أما ما نقرأه في الصحف عن حالات تعدي الأبناء على أمهاتهم وآبائهم فحدث ولا حرج... فماذا حدث لمجتمعنا؟! لا نريد أن نلقي باللوم على أحد ولا أن نقول إن الوالدين لم يحسنا التربية، لأن القضية تتعلق بالأخلاق والقيم والعادات والتقاليد، فمن لديه وازع ديني ويصلي ويصوم لا يمكن أن يتعدى على والديه مهما كانت الأسباب والمبررات، لأنه يعرف حق المعرفة منزلة الوالدين في القرآن الكريم ويقول الله سبحانه وتعالى: «فلا تقل لهما أُفّ ولا تنهرهما» (الإسراء: ) ما أعظمها من كلمة، فكيف يتطاول هذا المتمرد على والديه بالضرب والشتم؟
هذه مصيبة وطامة كبرى تقع في مجتمعنا ونراها كثيراً في المحاكم، ومثالاً على ذلك؛ أحد الأبناء يرفع قضية على أمه لطردها من المنزل، وآخر يرفع قضية ضد والده لطرده من المحل الذي يملكه. نعم، ما نقوله حقيقة وواقع.
وهذه قصة أخرى يرويها أحد الآباء لي، إذ طلب ابنه الذي يدرس في الجامعة شراء جهاز «موبايل» له، فلما رفض الأب أن يشتري له الجهاز بصق في وجه أبيه، ولما ضربه والده ردّ عليه بعدة لكمات طرحته أرضاً، فلما أخبرناه أن باستطاعته تقديم شكوى ضد الابن رفض رفضاً قاطعاً، وقال: لا أريد لابني أن يدخل السجن بسببي!
نقول: إن ضرب الآباء والأمهات من قبل الأبناء يحتاج إلى دراسة وبحث، وإن كنت أعتقد أن غياب الوازع الديني والأخلاقي من أهم الأسباب في حدوث هذه الظاهرة، لأنهم تربوا بشكل سيئ للغاية، فنشأوا في بيئة غير صحية لا يحترمون الكبير ولا الصغير ولا يعرفون حقوق الآباء والأمهات.
أحمد مرهون المالكي
لا أدري إلى متى نستمر في البحث في بطون الكتب الإسلامية القديمة لنستجدي تبريراً لممارسة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية حديثة تمت تجربتها وأثبتت نجاحها لكي نطبقها عندنا؟!
كثيرا ما نقرأ في المقالات في الصحف المحلية محاولات من بعض الكتاب الرجوع إلى الماضي والبحث عن تصرف معين في وقت معين لشخصية من شخصيات ما ندعوهم بالسلف الصالح كي نبرر لأنفسنا أن ما نفعله اليوم فعله هذا الشخص قبل ألف وأربعمئة سنة وبالتالي يحصل هذا التصرف على صك القبول، ولا اقصد بهذا القول التقليل من شأن هذه الشخصيات التي اجتهدت في زمانها وحصلت على أجرين إذا أصابت وأجرا إذاً أخطأت ولكن هل من العقل بشيء أن نقيس ما يحدث اليوم في هذا العالم المملوء بالمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسي
العدد 1218 - الخميس 05 يناير 2006م الموافق 05 ذي الحجة 1426هـ