قد لا نضيف جديداً إذا ما قَلبنا دفاترهم ورأينا فصلاً مبتوراً ونظرنا في أعينهم ورأينا فرحة ناقصة وسمعنا أحاديثهم لنستشعر آهات مخنوقة وألفنا ابتسامات بين دموع على رغم سطوة القدر.
صور نخطها في هذه السطور من حياة فئة شاء الله أن تفتح عينيها لتكون حبيسة جدران ما يسمى «دار أيتام» جدران تعد أرحم من أرصفة الشوارع أو قهر عائلات تجاهلت قوله عز وجل «فأما اليتيم فلا تقهر» (الضحى: )، وصور أخرى لفئة فقدت عيناً لتبصر بالأخرى في عتمة الطريق، فقدت أباً أو أماً لتكابد صعوبة الحياة.
خلف ابتسامته البريئة كان بداخله ركن ناقص استوجب أن يملأه أب عطوف وأم حنون «ح. ق» طفل لم يتجاوز الحادية عشر ربيعاً تعودنا رؤيته متوارياً عن الأنظار، يفضل الجلوس بعيداً يلهو بمفرده. تبدأ قصته أو بالأصح تنتهي منذ وفاة والده إثر مرض عضال ليكون أكبر أخويه ومسئول عن أمة الشابة التي آثرت تكريس حياتها لأولادها تتكئ فيها على مكرمة ملك البلاد للأيتام والأرامل وتتعكز على راتب زوجها التقاعدي.
تروي لنا الأم مقتطفات من حياتهم، فتشير إلى أن صعوبة الحياة لا تكمن في توفير مسكن أو ملبس أو تعليم، وإنما في نظرة الناس واعتقادهم أن اليتيم لقمة سائغة يتقاذفها أصدقاء السوء تارة، ومن تسول له نفسه تارة أخرى.
وتستطرد بنبرة يائسة مسلمة بالقضاء والقدر لتروي لنا مشكلتها التي تكمن في صعوبة التعامل مع أولاد لهم من الاحتياجات لا يفهمها سوى رجال مثلهم، ولهم من الأفكار لايستوعبها سوى الرجال، إلا أنها ترجع وتقول: «أولادي أفضل حالاً من يتيمي الأب والأم».
ولا تعد حال «أ. ح» ( عاما) أفضل، فقد أخذ الموت والدته وهو في السادسة من عمره ليقع تحت رحمة زوجة والده التي نسيت وعدها يوم عقد القران «أن تعامل ابن زوجها على أنها أماً لم تنجبه» لتقسو وتهين وتضرب بيد من حديد على مشاعر طفل كل ذنبه أنه يحمل لقب «يتيم»، ولاسيما بعد أن وقع الأب مريضا غير قادر على الدفاع عن ابنه من سخط زوجة أب «غيور».
ولا تنتهي قصصنا عند هذا الحد فالكثير الكثير في جعبتنا لا تسع السطور لسرده آخرها وليس ختامها قصة أم لها من الأبناء ولدان وبنت وحيدة، أخذ الموت زوجها المريض بداء وراثي لتعيش هي بين تمرد ابنها الأصغر ومرض ابنها الأكبر بداء الأب نفسه، وكل ذلك وهي صامدة لتقع في آخر المطاف وتنكسر شوكتها عند موت بكرها.
إن كان هذا هو حال فاقد أب أو أم فكيف هو حال من فقد الاثنين وكيف يحيا في ظل قسوة الحياة؟ ألا يكون طبعاً أمامه سوى خيارين: إما أن يعيش حياة تشرد يتنقل من رصيف إلى آخر أو يحيا في كنف أسرة تتبناه أو دار أيتام؟
وكثيراً ما سمعنا عن العثور على رضيعة ملقاة على أحد الأرصفة أو في سلة المهملات أو على مقاعد المتنزهات. من لهذه الفئة من المجتمع وأي يد تمتد لهم لتمنحهم حياة كريمة؟
لنعيش لحظات مع هذه الفئة نسلط الضوء على اهتماماتهم، طموحاتهم، طريقة تعليمهم، حياتهم الصحية والنفسية، مروراً بإرشادهم الحياتي من خلال تعرضنا بشيء من التفصيل إلى ماهية عمل «الجمعية الإسلامية للرعاية الاجتماعية لرعاية اليتيم».
مع دنو انصرام السنة الجارية يبزغ توجه إلى إنشاء مشروع لدار أيتام وفق استراتيجية (مؤسساتية) من قبل «الجمعية الإسلامية» تعنى بكفالة اليتيم ودعمه في شتى جوانب الحياة من شأنه أن يبصر النور بمساعدة أصحاب الأيدي البيضاء.
رئيس الجمعية مجيد الزيرة كشف لنا عن قرب افتتاح أول مركز رعائي في المملكة يعنى بالأيتام يعمل في الفترة المسائية، والذي اعتبره خطوة في سبيل الوصول إلى الطموحات الجمعية لما أسماه «الجمعية غدا» كإنشاء مراكز رعائية للأيتام في مختلف مناطق البحرين، إنشاء مدرسة نموذجية خاصة، بالإضافة إلى إنشاء معهد مهني وتعليمي ومركز صحي خاص.
وعلى صعيد متصل، كان لـ «الوسط» لقاء مع أمين سر الجمعية عبد الأمير سلمان القدمي الذي حدثنا عن فكرة انبثاق الجمعية حينما قام احد الخيرين من هذا البلد بزيارة للبنان العام وفي هذه الزيارة قام بزيارة جمعية المبرات الخيرية وتعرف على أنشطتها في رعايتها للأيتام وما ينالونه من اهتمام بالغ فسأل أحد العاملين في هذه المؤسسة: لماذا هذا الاهتمام البالغ بالأيتام؟ فأجاب ببساطة بالغة: نريد مجتمعاً صالحاً، ونريد مجاورة الرسول الكريم (ص) في الجنة إذ قال (ص): «أنا وكافل اليتيم في الجنة». فاستحسن محدثنا الفكرة، وقال لماذا لا يكون مثل هذا المشروع في البحرين؟
واستطرد في سرد الحكاية، فقال: «ولشعوري بحاجة أيتام البحرين مثل هذه الرعاية العظيمة، وإن عدم وجود مثل هذا الاهتمام البالغ قد يؤدي إلى ضياع الأيتام في المملكة على رغم وجود مشروع جلالة الملك ودعمه المادي للأيتام من خلال لجنة كفالة الأيتام، الأمر الذي من شأنه أن يسد حاجة اليتيم مادياً فقط، في حين أنه بحاجة إلى رعاية شاملة كأي طفل آخر، ما حدا بالقائمين على هذه المبادرة عرض الفكرة على المعنيين والمهتمين الذين شعروا بالمسئولية البالغة لتأسيس مثل هذه الجمعية، فسعوا سعياً حثيثاً حتى حصلوا على الترخيص رسمياً ليكون إشهارها في الثالث من مارس/ آذار العام برئاسة الوجيه مجيد الزيرة وستة أعضاء، لتتسع فيما بعد فتشمل عدة لجان منها الإعلامية، الاجتماعية، المالية، التربوية التعليمية والصحية، بالإضافة إلى لجنة الموارد المالية».
وفي رد له على سؤالنا عن أهداف الجمعية، أجاب منوها بأن العمل على توفير مستلزمات التربية الأساسية والصحية لإشباع الاحتياجات الجسمية والنفسية والروحية لليتيم من أولى الأولويات، فضلاً عن العمل على تشييد صروح توفر لهم الرعاية الصحية والتعليمية والتربوية والاجتماعية، بالإضافة إلى أن الجمعية تسعى من خلال برامجها الرعائية لليتيم، إلى أن يصبح فردًا فاعلاً في المجتمع له مساهمات إيجابية في مسيرة بناء الإنسان والحياة والوطن والعمل على حماية الأيتام من أشكال التعســـف والاستغلال والانحرافات الخلقيـــة والفكرية.
«تكلم لنا عن الجمعية بلغة الأرقام». طلبنا ذلك من القدمي الذي استطرد في الرد كاشفاً لنا عن آخر إحصاءات عدد الأيتام في المملكة والتي تبلغ ما بين و آلاف بين يتيم ويتيمة، عدد الأيتام المكفولين في الجمعية ما يقارب يتيماً ويتيمة تقريباً في ظل وجود نوعين من العاملين في الجمعية موظفين كمدير الجمعية وسكرتيرته، والنوع الآخر متطوعون وهم: مجلس الإدارة ويبلغ عددهم سبعة، بالإضافة إلى أحد عشر عضواً من اللجنة الاجتماعية وخمس رائدات وسبعة آخرين من لجنة العلاقات العامة والإعلام و عضواً من اللجنة التعليمية.
جمعية كالجمعية الإسلامية لكفالة اليتيم تعد حديثة العهد من أين تتلقى دعمها المادي وما طبيعة علاقتها بالسلطة والصناديق الخيرية؟ يجيبنا بأن الجمعية تتلقى بعض التبرعات من أهل الخير بالإضافة إلى تشكيل لجنة الموارد المالية التي من المقرر أن تضع خطة عمل لتمكن الجمعية من التغلب على الصعوبات المادية ومحاولة تنفيذ الخطة في عمل الجمعية كمؤسسة فيكون لها استثمار يضمن لها استمرارية العمل فضلا عن وجود توجه إلى إنشاء مدرسة خاصة لدعم الجمعية.
وفيما يخص تعاون الجمعية مع السلطة والصناديق الخيرية يوجزه في أن الجهات الحكومية الرسمية والأهلية تدعم مثل هذه المؤسسات الاجتماعية الخيرية المتخصصة لتتغلب على الصعاب في تحقيق أهدافها وذلك من خلال إعفاء عدد من الأيتام من رسوم دخول المتحف الوطني ومحمية العرين و تغطية تلفزيون البحرين معظم فعاليات الجمعية فضلا عن الجدية في العلاقة بين الجمعية والصناديق الخيرية من خلال حصر عدد الأيتام وتفعيل بعض الفعاليات الترفيهية للأيتام مثل رعايتها للمهرجان الترفيهي للأيتام الذي ينظمه صندوق كرانة الخيري.
لكل مؤسسة نقاط قوة ونقاط ضعف أو ثغرات... عن ذلك يتحدث القدمي فيشير إلى تزايد التزامات الجمعية المادية نظراً إلى توسع أعمالها، الطاقم المتخصص الأمر الذي يرمي بثقله على العجز في توفير المراكز الرعائية بالإضافة إلى شحة المتخصصين فضلا عن عدم توافر الثقافة الكافية لدى معظم أفراد المجتمع بمن فيهم اسر الأيتام في مسألة رعاية اليتيم وما يحتاجه وأثر هذا الاهتمام على المجتمع في إصلاح أمر اليتيم.
في حين يعرض لنا أمين اللجنة الإعلامية سلمان سالم أبرز الإنجازات التي تسجل للجمعية طوال عمرها القصير وعلى رأسها إشهار الجمعية أولا وأخيرا ولفت انتباه المجتمع إلى وجود أعداد لا يستهان بها من الأيتام ومؤسسة تعنى برعايتهم بالإضافة إلى أخذ الجمعية مكان الأب أو الأم لليتيم، الزيارات الميدانية لأسر الأيتام لدراسة حالتهم، البرنامج الصيفي الذي شمل زيارة إلى صحيفة «الوسط» ومتحف البحرين الوطني ومحمية العرين بالإضافة إلى إحياء الاحتفالات الدينية وتنظيم برنامج رمضاني.
ولم يغفل سالم ماهية الجمعية والتي اعتبرها من الإنجازات كشموليتها في الاهتمام باليتيم من بدايات عمره وحتى زواجه واعتماده على نفسه فضلا عن تجاوز الجمعية للنزاعات الطائفية وقبولها لأي منتسب من الأيتام مهما كان معتقده وطائفته.
ويضيف بقوله: «الجمعية توجهها طائفي إيجابي، فقيام جمعية ذات طائفة واحدة بخدمة جميع الطوائف بلا تميز لا بالتقوقع في طائفتنا يعد الإنجاز الذي نفخر به».
ويواصل منوها إلى نقاط وصفها بالنقلات النوعية كزيارة وفد من الجمعية العام الماضي للبنان الأمر الذي ساعد على تبادل الخبرات مع المؤسسات الخيرية ذات الصلة بالجمعية بالإضافة إلى بروز نشاط المرأة بشكل ملفت للنظر في الجمعية وساعد على التمازج بين الجنسين فيها ولاسيما بعد إدراجها في الإدارة، على حد قوله.
واستغل سالم الفرصة ليرسل رسالة خلال هذه السطور قال فيها: «ان هذا المشروع للجميع لا للأيتام فقط فان صلح حالهم صلح حال المجتمع وتحمل المسئولية لا يكون على حاملي شعار كفالة اليتي
العدد 1218 - الخميس 05 يناير 2006م الموافق 05 ذي الحجة 1426هـ