ودع الأكراد العام 2005 على أمل أن يحمل لهم العام الجديد المزيد من الحقوق والاعتبار، على خلاف السنين الماضية المثقلة بالتهميش والعذاب والمجازر والويلات. ويجمع الأكراد كلهم على أن السنة التي ودعوها ،2005 كانت مليئة بالنجاحات والانتصارات، وإن كانت سيئة بالنسبة إلى الشعوب التي يعيش معها الأكراد، مثل العرب والفرس والأتراك. ربما نستطيع القول إن الأكراد للمرة الأولى في حياتهم السياسية في العراق استطاعوا أن يتولوا منصب رئاسة أهم دولة عربية وهي العراق، إضافة إلى أنهم للمرة الأولى أيضاً خلال تاريخهم السياسي أصبح لهم رئيس، طبعاً بعد قاضي محمد الذي كان رئيساً لكردستان إيران (رئيس جمهورية المهاباد الكردية التي انهارت نتيجة تناقضات السياسة الدولية في الشرق الأوسط) في العام ،1947 هذا عدا عن إنجازات أخرى مهمة بالنسبة إليهم. ويستطيع المراقب الوقوف عند أهم المحطات التي انعكست ايجابية بالنسبة للأكراد في العراق. 1 تولي رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني جلال الطالباني منصب الرئاسة في العراق، على غير ما كان يتولاه نائب الرئيس العراقي المخلوع، طه ياسين رمضان، فالطالباني تولى المنصب بهويته السياسية والقومية الكردية، وبشبه إجماع من قبل القوى العراقية السنية والشيعية والعلمانية والقومية، على أن يتولى رئاسة العراق في المرحلة الانتقالية، وتسربت أنباء في العام الذي ودعناه ان هناك إجماعاً على أن يتولى الرئاسة أيضاً في السنوات الأربع المقبلة. وهذا إنجاز طالما حلم به الأكراد من خلال نضالاتهم السياسية والحياتية والعسكرية. 2 ترشح مسعود البارزاني رئيساً لكردستان العراق، وكان هذا القرار، بالإضافة إلى الاتفاق بين الحزبين الرئيسيين (الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني) أجمعت عليه غالبية القوى الكردية والتركمانية والآشورية. 3 ترجيح كفة الميزان لصالح الأكراد في مسألة كركوك، إذ استطاع الأكراد خلال العام 2005 أن يتقدموا في مسألة الحصول على مدينة كركوك الغنية بالنفط، وذلك من خلال نقل بند 58 من قانون إدارة الدولة العراقية المؤقتة إلى الدستور الدائم تحت رقم 128 من الدستور، وحصلوا على وعد من القوى السياسية العراقية بأن تحل مسألة كركوك مع حلول العام .2007 4 تمكن الأكراد أن يقلّصوا نفوذ التيارات الإسلامية المتطرفة في كردستان، وذلك عبر سلخ هذه التيارات مثل «أنصار الإسلام» عن قاعدتها الشعبية ومن هويتها الكردية، فيعرف الآن هذا التيار بـ «أنصار السنة»، ويحمل هوية عراقية غير كردية. وقد أتقن الأكراد اللعبة السياسية وأدركوا موازين القوى، فعرف أن القيادة السياسية الكردية خصوصاً من هم في الصف الأول، تملك القدرة على إدارة الأزمات، إذ اتقنوا اللعبة إلى درجة أصبحوا يعتبرون اليوم عامل التوازن والاستقرار في العراق، وليس كما كان ينظر إليهم على أنهم عامل عدم استقرار وعامل انقسام العراق. 5 إعطاء أهمية للمؤسسات الديمقراطية وتنشيط دور البرلمان الكردي واعتباره مرجعاً كردياً بدلاً من المجالس القيادية للحزبين. وتمت بلورة أهمية توحيد الادارتين (إدارة السليمانية وإدارة اربيل) في الوعي السياسي الكردي والشعبي. فللمرة الأولى على المستوى الكردي العراقي أصبحت اللغة الكردية أساسية، فوجدناها مكتوبة على القوائم الانتخابية وعلى جدار المجلس الوطني العراقي، وتصبح الأولى في كردستان العراق. أما على مستوى الاقتصاد استطاعت الحكومات الكردية جذب أنظار كثير من الشركات الأجنبية والعربية، مثل الشركات اللبنانية والتركية، فهناك شركات كثيرة تعمل في كردستان. ولا نستغرب إذا اهتم الأكراد بالنفط بحفر آبار للنفط لتعود الفوائد على إقليم كردستان بحسب الدستور الدائم. وفي السليمانية (عاصمة الاتحاد الوطني) هناك مصفاتان للنفط. كما ان الأكراد استطاعوا أن يقلصوا مسألة البطالة، وهم الآن يعملون جاهدين لبحث الفساد الاداري وملاحقة المفسدين. وعلى المستوى السياسي العراقي استخدم الأكراد سياسة قوة الإقناع وليس الاقتناع بالقوة، وذلك للمحافظة على علاقاتهم مع كل القوى العراقية، وهم الآن مهيئون لإيجاد التحالفات مع جميع الأطراف وليس أحدها من دون الآخر. أما على المستوى الإقليمي فنتيجة لاهتمام الاكراد بطموحات الشركات التركية وحفاظهم على علاقاتهم مع الجارة تركيا، فقد استطاعوا أن يغيّروا من نظرتها للتطورات الكردية، وبدلاً من مهاجمة الأتراك للأكراد في كردستان العراق أصبح هناك عشرات المفكرين والسياسيين الأتراك يطلبون من حكومتهم تعزيز علاقاتها مع إقليم كردستان العراق.
العلاقات مع دول الجوار
من الجانب الآخر، لا يقل الاهتمام الكردي العراقي بسورية عنه بالنسبة إلى تركيا، فعلى رغم التجاذبات التي حصلت في العلاقات بين العراق وسورية، والبون الشاسع في التوجهات، مازال للحزبين الكرديين الرئيسيين مكاتبهما في دمشق، وهناك زيارات لكردستانيين ملفتة إلى سورية. وكذلك الأمر بالنسبة إلى إيران، إذ حافظ الاكراد على علاقاتهم بها، وعلى رغم ما قيل ويقال عن تدخل إيران في العراق وتشجيعها الطرف الشيعي على الهيمنة، وعلى رغم تنظيم أكراد إيران تظاهرات ضد الحكومة الإسلامية التي قامت بإعدام عدد من الأكراد الإيرانيين، فإن هذا لم يؤثر على علاقتهم بإيران، بل بالعكس هناك إشادة من قبل المسئولين الأكراد بتميز علاقاتهم مع إيران. ولعل الزيارات التي تمت بين المسئولين الأكراد والإيرانيين، تثبت صحة علاقاتهم على الأقل في هذه المرحلة. وكذلك على المستوى الدولي فكان للأكراد علاقاتهم مع أوروبا والولايات المتحدة الاميركية ذات النكهة الخاصة. فرئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني استقبل من قبل الرئيس الأميركي جورج بوش على انه رئيس دولة، وخاطبه بوش «بالسيد الرئيس»، وهو في زيه الكردي المعتاد، وهو ما أزعج الأتراك، وكان الرد الاميركي ان مسعود البارزاني رئيس بحكم الدستور والقانون العراقي. كما قام البارزاني بزيارات إلى عدد من الدول الأوروبية مثل النمسا وبريطانيا والفاتيكان وألمانيا... إلخ. إضافة إلى الدور الذي لعبه الطالباني في المؤتمرات الدولية وانعكاساتها على الوضع الكردي العراقي. ويمكن القول إن الأكراد استطاعوا أن يؤسسوا ملحقاً خاصاً بإقليم كردستان في السفارات العراقية، وهناك عدد من القنصليات الأجنبية افتتحت في اربيل (عاصمة كردستان). وقد امتص الأكراد المواقف المتشنجة من قبل بعض الأقليات القومية في كردستان، مثل التركمان وتحديداً «الجبهة التركمانية» الموالية لتركيا، وأعطوا مساحة واسعة لهذه الأقليات لممارسة حقوقهم وحرياتهم وهويتهم القومية والطائفية. وقد زار عدد كبير من رؤساء العشائر العربية والتركمانية والصابئة والشبك إقليم كردستان. وأهم ما أنجزه الأكراد في العام 2005 هو إنجاز دستور تقدمي غير إسلامي، على رغم وجود تنظيمات إسلامية لها شأن كبير، وقد دافع الأكراد عن الصبغة العلمانية للدولة العراقية، وهم الذين دافعوا خلال هذا العام بشراسة عن حقوق المرأة وحقوق الأقليات. وللأكراد إنجازات أخرى لها انعكاسات من دون شك على جميع الأكراد من الناحية المعنوية، خصوصاً بعد توليهم مناصب قيادية في إدارة العراق من وزارة الخارجية، إلى التخطيط والإنماء، والنواب في رئاسة البرلمان العراقي وفي القطاع العسكري العراقي. فنائب رئيس أركان الجيش العراقي بابكر زيباري كردي، وكذلك نائب رئيس البرلمان ورئيس محكمة الرئيس السابق صدام حسين الذي قتل عشرات الآلاف من الأكراد، وقام بمجازره الجماعية بحق الأكراد، وعلى رأسها مجزرة حلبجة. وقد شاهد الأكراد بداية محاكمة مجرمي الأسلحة الكيماوية في حلبجة ابتداءً من علي المجيد (الكيماوي) وانتهاء بمحكمة العدل الدولية التي حاكمت التاجر الغربي فرانس فان برات بتهمة المشاركة في عمليات التطهير العرقي ضد الأكراد. وقد تبلور مفهوم المجتمع المدني في كردستان بشكل واضح، إذ تعمل عدد من مراكز الدراسات مع الاهتمام اللافت من قبل الأكراد للإعلام، فأسسوا عدداً من الفضائيات مثل «زاغروس» بالكردية وبالعربية، و«الحرية» و«عشتار» الآشورية... إلخ. العام 2005 كان حافلاً بالعمل والنشاط والإنجازات والنجاحات، إذا استثنينا عدداً من التفجيرات في اربيل والسليمانية، قام بها المتشددون الاسلاميون، وسينظر الأكراد إليه على انه عام النصر بامتياز. * كاتب سوري كرد
إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "العدد 1217 - الأربعاء 04 يناير 2006م الموافق 04 ذي الحجة 1426هـ