كلنا يحلم بالأمل، والمتفائل منا يرى ضوءاً غير موجود، ذلك أن الأمل خبز الفقراء، والشاعر يقول: «ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل». نبحث عن ديمقراطية قوية بأسنان كي تفرم الفساد، وحكومة شعبية تفكر في هموم المواطن توزع الأرغفة على الناس وتشركهم في الكعكة، وقضاء عادل لا يقوم على الرشى ويحاسب المخطئ ولو كان سيداً قرشياً، وينتصر للمجني عليه ولو كان عبداً حبشياً، وصحافة حرة يصدقها الناس تنتصر للحقيقة بلا رتوش أو مكياج، لا تبحث عن تصفيق الجمهور، ولا تسعى إلى تلميع شوارب الوزارة، وإلى جامعة مزدهرة تعتمد الكيف والإنتاجية والتقنية العالية ومواكبة العصر، تنتج عقولاً وليس بطالة. ربما يقول البعض هذه طموحات «فانتازيا» قد نجدها في أفلام هاري بوتر، أي نحتاج إلى «شوية» سحر وشعوذة وخيال كبير، إلخ. الأمر صعب، لكن سويسرا واليابان وماليزيا وسنغافورة وصلوا. الله أعطاهم عقولاً بشرية كبرى ونحن كذلك. الفرق أننا عرب نعيش على تربة مالحة وفي عالم يبحث عمن يزيِّف له الحقائق، لا يريد الحقيقة بل يفضل دائماً بنت أختها، يزعل على الطبيب إذا أخبره بأمراضه بحجة أنه لم يراعِ شعوره، وإذا مات اتُّهم الطبيب بالتقصير، وقِس على ذلك أوضاعنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية. نرجسيون وخياليون ونعالج همومنا بالشعر والرومانسيات. قبل أسبوع عكفت على قراءة موسوعة علي الوردي «لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث» وهو يتحدث عما نعانيه نحن العرب من ازدواجية الشخصية إلى صراع البداوة والحضارة إلى النشاز الاجتماعي. في الصفحة 302 (الجزء الأول) يقول: «إن الذي يستمع إلى خطاباتنا ومقالاتنا يحسب أننا وصلنا في علاقاتنا الاجتماعية إلى أرقى ما وصلت إليه الأمم المتقدمة قبلنا، ولكن هذ (الرقي) لا يعدو طور الكلام في الغالب، فيبقى المجتمع على ما هو عليه». تنظر إليه وهو ينظر إلى الديمقراطية وهو أكبر دكتاتوري في منزله وقمع زوجته. يتحدث عن الكرم وتجد همّه زوجته وأبناؤه في أنانية مفرطة، وتجد أمه تتكفف الناس بلا طعام ولا مأوى. كلنا ننظر إلى الديمقراطية من مثقفين إلى دعاة إلى توكنوقراط، إلخ. ولكن من منا يقبل بقواعد الديمقراطية؟ نسبُّ الأنظمة، لأنها دكتاتورية لا تقبل بالنقد، ونكفر من ينتقدنا ونمارس دور المخابرات في الضرب تحت الحزام إذا اختلفنا مع بعضنا بعضاً في الآراء فضلاً عن أمور أكبر. المخابرات العربية تشهّر بالخصوم وتقطع أرزاقهم وتضعهم في خانات القائمة السوداء وترميهم بالخيانة، وجزء كبير من قوى المجتمع العربي يمارس الأسلوب نفسه مع من يختلف معه. كم فقيه ألقي به على أرصفة الشتيمة؟ كم مثقف حورب في رزقه نتيجة آرائه الجريئة؟ وكم انتخاب مزور معروفة سلفاً نتائجه في أحزابنا ومؤسساتنا على شتى أنواعها؟ هناك احتكار في المؤسسات، وفي المنابر، وفي المجالس، والهيئات والمراكز، إلخ... لا أحد يقبل بولاء 70 في المئة، لا الحكومات العربية ولا المعارضات ولا رجال المجتمع المدني ولا غيرهم، كلّ يريد ولاء 500 في المئة... الكل يمتلك ثلاجات لتخزين العقول... الظلم بمقدار السلطة وتوافرها. لقد علّمنا التاريخ أن الثورات أول ما تأكل، تأكل أبناءها... من الثورة الفرنسية إلى الثورة البلشفية، إلى غيرها. صدام كان ثورياً وعندما وصل إلى الحكم بدأ بقطع رؤوس «الرفاق» وذبح زوج ابنته. في أفغانستان انسحب الشيوعيون، ثم بدأ «المجاهدون» في تصفية بعضهم بعضاً إلى أن دمّروا أفغانستان. ستالين شخص ثوري وعندما تقلّد المنصب أخذ يقدّم وجبات من الرفاق إلى المعاقل وإلى ساحات الإعدام، وكثير منهم من رفاقه. هتلر أعدم عديله (زوج أخت زوجته) وبدم بارد. الترابي جاء مع البشير في انقلاب واحد ثم وضعه البشير في السجن. «الميكافيلية» طاغية على أكثر الناس، وقديماً قيل: إذا أردت أن تختبر إنساناً اعطه سلطة. وهناك من لو أعطاه الزمان سلطة على حمّام لمنع الناس من قضاء حاجاتهم لسد نوازع النقص فيه، ومنهم من لو أصبح رئيس مزرعة دواجن لقمع الناس. ورحم الله المتنبي، إذ يقول: الظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظ
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1217 - الأربعاء 04 يناير 2006م الموافق 04 ذي الحجة 1426هـ