العدد 1217 - الأربعاء 04 يناير 2006م الموافق 04 ذي الحجة 1426هـ

مواقف سياسية معلبة وجاهزة للاستهلاك

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

إن الحملة الإعلامية الشرسة التي يتعرض لها رئيس مجلس إدارة جمعية «وعد» إبراهيم شريف هذه الأيام، إنما تمثل نموذجاً فاقعاً من تلك المواقف السياسية المعلبة والجاهزة التي كانت توزع في ماضي الأيام والسنوات، حينما تزداد شدة المطالبة بالحقوق والمستحقات. وهي ذاتها اليوم توزع خصيصاً لمن يرتضيها ويتلذذ بالتهامها، فمفعولها ليس بأقل من أن يكون ملتهمها فرداً مدجناً (من التدجين) بحكم موقعه ومصالحه، ذلك الذي يجعله يتعاطى مع الواقع وكأنه للتو جاء من الفضاء أو عالم آخر غير الذي نعيش. إن ملتهمي هذه الوجبات والمواقف المعلبة لا ريب قد أصيبوا بالتبلد (من البلادة الحسية)، كما أنهم ابتلوا بردة فعل انفعالية مفرطة، فلم يعودوا يفرقون بين الولاء للوطن والولاء لنظام الحكم، أو ما بين المالك والمملوك، فالجو والبيئة التي يترعرعون فيها لا تنتج إلاّ مسوخاً فكرية ومواقف يطغى عليها الغبش والضباب، إذ لا غرابة أبداً فيما يكتبه ويعبّر عنه مستهلكو بضاعة المواقف السياسية المعلبة المنتهية الصلاحية والسلع المستعملة والبالية. كما لا غرابة في موقف آلة إنتاجها التي صدأت وهي تعيد إنتاجها المكرر والممجوج، سواء عبر الصحافة ووسائل الإعلام أو من خلال ما يطلق عليه بالإجراءات الأمنية أو القانونية، فمد التغيير وحتميته الذي يجتاح الساحة المحلية والإقليمية لم يبقِ من الموضوعية والتعقل شيئاً. إن تثوير الفكر البليد الذي لا يقرأ الواقع بموضوعية والنظر إلى كل جوانبه المنيرة والمظلمة، وتسويق الموقف السياسي الاستهلاكي المعلب الذي ينزعج من ممارسة المواطن حقه في العمل السياسي وحريته في التعبير وبناء شبكة التحالفات التي يرتضيها كمؤسسة أو شخوص من أجل تحقيق أهدافه... أقول إن ذلك، يضع أصحاب المواقف السياسية المعلبة المنزعجين في موقف الدفاع عن النفس واهتزاز الثقة والتحصن من المواطن المسكين الذي يطالب بحقوقه ومستحقاته، وكأنه يمتلك آلة حرب عسكرية أو نووية لا سمح الله. فوصفة الدواء الفاسدة العنيفة والطائفية الرائجة هذه الأيام قد انتهت صلاحيتها من أسف، فلم يعد العصر يقبلها حتى وإن بدا المشهد غير ذلك، وهي تسبب الاختناق وتزيد من إحكام الطوق والسلاسل على الوطن والمواطن وحتى النظام السياسي نفسه إن زاد وأكثر من استخدامها وتدويرها. إن استمرار هذا الحال سيؤدي لا محالة إلى سلسلة جديدة من عمليات الاستنطاق والمساءلة، طالما بقيت هناك حقوق منقوصة ومسلوبة ومقهورة وغير قادرة على التعبير عن مطالباتها. أما ممارسة السذاجة مع المواطن ومن يمثله وفي هذا الوقت بالذات فمن المؤكد انها لا تنفع، بل ستؤدي إلى المزيد من الحفر في خرائب الفساد والسرقات وممارسيه، وستكشف أكثر فأكثر ويوماً بعد يوم، للمراهنين على بقاء الوضع على ما هو عليه (بحكم مصالحهم)، أنه لن ينفع أي تبرير أو التواء عن الكشف والتفسير للحقائق والظواهر. كما انه لن يفيد اختزال أصل المشكلة، والتشوهات التي ألحقت بمشروع الإصلاح السياسي ومفهومه ودلالته الفكرية والسياسية. ولن تنقذ الوضع أية ترقيعات أو تبريرات، ولا ممارسة أي شكل من أشكال العنف والتضليل والتخويف، بل التعاطي الواقعي والصادق مع أصل البلاء. إن العتمة اليوم آخذة في الازدياد، والفتات المقدم من موائد عائدات النفط، لم يعد يغني ولا يسمن من جوع. والسؤال: لماذا؟ ومن أين لك هذا؟ ذاك الذي قاده إبراهيم شريف بجرأة وجدارة خلال الفترة الماضية، وعجز عن طرحه وتدويره بعض مدعي قيادة العمل السياسي وطليعته وتقدميته وتمثيله للشعب في البرلمان، هو ما يشكل بلا أدنى شك الأداة النضالية الأكثر خطورة ورعباً للمسئول، ولمن هم غارقون في الفساد والسرقات... هو ذاته الذي يشكل جزءًا من الحدث وما يدور في حلقاته، إذ على ما يبدو ما برح هذا السؤال يشكل صدمة لمن يتضرر من كثرة الأسئلة، وإثارة الأسئلة عن زواريب السرقات والفساد، صدمة حقيقة لم يفق منها بعد، فالجواب على هذا السؤال وغيره من مئات الأسئلة لا يضمن طبعاً النهايات، ولا يجعل الأمن الاجتماعي مستتباً، لا بل يدفع بجميع المواطنين الذين مازالوا يطالبون باستحقاقاتهم إلى الانتقال من محطته الراكدة إلى محطة حفر ونضال متقدمة، تستلزم مسئوليات زمنية يفرضها الوطن على كل الشرفاء والمناضلين. فما يثير حفيظة المستفيدين من السرقات والفساد، هو استمرارية السؤال وعدم التزام الصمت والمداراة أو انتظار موعد أو إشارة أو أوامر. فقط الاستمرار في الحركة السلمية والدينامكية باتجاه تحقيق الهدف، هذا هو المطلوب والهدف هنا لا يدور حول شخوص، وإنما يدور حول قضية تاريخية وحقوق أصيلة للمواطن البحريني، تلك التي دفع المواطنون ثمنها دماءً وتضحيات مادية ومعنوية. إنها الحقوق والالتزامات التي لم تستحق لهم بعد. هل نبدأ بإعادة كتابة سطورها مجدّداً وبالتفصيل على صفحات التاريخ البيضاء التي لاتزال تنتظر ملء الفراغات، لكنها ليست كأيّة فراغات خاوية المضمون والمعنى، بل هي استكمال لإعادة كتابة تاريخ الشعب البحريني وتضحياته؟ ولِمَ لا؟، * كاتبة بحرينية

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 1217 - الأربعاء 04 يناير 2006م الموافق 04 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً