العدد 1217 - الأربعاء 04 يناير 2006م الموافق 04 ذي الحجة 1426هـ

ذنب

المنامة-حسن الصحاف * 

تحديث: 12 مايو 2017

يعرف الحمير جميعا ومن دون استثناء إن لهم أذناباً ويعرف كل حمار ذنبه من بين مليون ذنب يتعرف عليه من لونه ورائحته ومدى قدرته على الانحناء. ويعرفون جيداً أيضاً كيفية الاستفادة من هذه الأذناب الاستفادة المثلى إذ يتم استغلالها في شتى المجالات فهي ­ الأذناب ­ إلى جانب سترها لمؤخرات الحمير وذلك ليس لسبب كونها عورة، لا لا لا يغرنكم المظهر فابحثوا عن الجوهر في هذا الأمر، إنهم يفعلون ذلك فقط لكونها مقر فتحة مخرج الفضلات ولهذا تغطى لكي لا يؤذي منظر خروج الفضلات ورائحتها الآخرين» فهي إلى جانب ذلك أداة لا يمكن الاستغناء عنها لكش الذباب ومختلف الحشرات الأخرى التي لا تفتأ حسب الفهم الحميري تضايق الحمير في كل شاردة وواردة، وهي أيضا أداة لضرب من تسول له نفسه الاقتراب من المناطق المحظورة الخاصة بالحمير وفوق كل ذلك أداة للدفاع عن النفس، يتبارى الحمير كل بحسب قدره ومقداره فيما بينهم بأذنابهم، فهذا ينهق نهيقاً عالياً واصفاً ذنبه بالطويل الرشيق الذي تختلط شعراته بعضها ببعض بطريقة لم توصف من قبل لتشكل نسيجا ليس له مثيل، وهذا يصف ذنبه بالرهيب إذ تعكس ألوان الحناء التي صبغ بها صاحب الزريبة مؤخرة الذنب عندما تسقط عليها أشعة الشمس أو أضواء الإنارة في شوارع المدينة ألون قوس قزح فيها من البهرجة ما يبهر البصر، فهنا أود القول راجيا بأن لا تصيبكم الدهشة من معرفتنا نحن الحمير بقوس قزح، فنحن نراه أكثر وضوحاً من جميع الموجودات على هذه الأرض لحاسة لدينا تفتقد إليها بقية الحيوانات. ليس بين الحمير جميعاً من يعترف بأن ذنبه فاشل، مريض، فاقد خصال الجمال تتساقط خصالات الشعر في مؤخرته كلما ضربتها الشمس أو أن حدثت تغيرات في المناخ أو أن ذنبه قصير لا ينفع لأي شيء مهما قل شأنه. هذه حال الحمير منذ عُرِفَتْ تتبارى فيما بينها بأذنابها من دون أن تكسب شيئاً من هذا التباري له مكانة في حركة التاريخ الحميري. وكان يوماً لا ينسى أبداً ذلك اليوم في تاريخ الحمير. إذ حدث أن تطايرت في ذلك اليوم ومن دون سابق إنذار الأذناب في كل حدب وصوب: ذنب في الأعلى وذنب في الأسفل وذنب يضرب يميناً وذنباً يضرب يساراً... أذناب تتطاير في كل مكان بعضها يتحرك بشكل دائري وكأنها مروحة هواء فقدت صوابها او أصابها خلل مزمن أو مروحة طاحونة أصابها الخلل» لم يكن ذنب لأي حمار من الحمير على صورته المعهودة: ستره للمؤخرة حاضنة مخرج الفضلات أو إنه طارداً للحشرات أو أداة زينة. دام الوضع على هذه الحال طويلا وتعرضت بعض الأذناب لإصابات وجروح بليغة، ذلك لسبب عادة عند الحمير حين تشك في صدقية أذنابها فهي تعضها عضاً مبرحاً وتنتف شعرها بعنف ولو تتمكن لقطعتها إرباً إربا ورمت بها في زبالة الزريبة، ولكن على ما يبدو عبر التاريخ الطويل للحمير انها لم تتمكن من فعل ذلك. وتساءل كثيرون ممن رأوا المشهد المحزن المبكي هذا من خارج الزريبة عن السبب الذي جعل الحمير جميعها في حال حيص بيص. كثير من الحمير التي حركت أذنابها لم يعرفوا السبب إلا بعد مضي وقت طويل وقد تبادل الحمير فيما بينهم عن السبب الذي جعلهم يسلكون هذا المسلك العجيب والغريب في آن، بعضهم قال إنه سمع بأن أذناباً كثيرة مرمية في الزريبة ولم يتم التعرف عليها فمنهم من قال إنها ليست أذناب حمير وهذا ليس بالشيء المؤكد، وقال بعضهم إنها بكل تأكيد لم تكن أذناب ثيران لكونهم طالما رأوا أذناب الثيران في ذهابهم ومجيئهم من الأسواق ويعرفونها حق المعرفة وان ليست لها مكانة بين أذناب الحيوانات جميعاً، آخرون قالوا إنها لم تكن أذناب أسود لكون الأسد ليس من عادته التخلص من ذنبه ولا يمكن أن يقطع ذنبه بالسهولة التي قطعت بها هذه الأذناب وهي ليس أذناب ثعالب أو ذئاب وإن هي تلطخت بتراب الزريبة وفضلاتها وقاذوراتها وتغيرت ملامحها. غير ان القصة الحقيقية بعد أن أكدتها مصادر موثوق بها تقول إنها بدأت عندما نهق حمارٌ صغير عديم الخبرة قصير الذنب رفيع القوائم بارز الكرش طويل الأذنين جاحظ العينين مكتنز الجحفلتين نهق نهيقاً عالياً أزعج الزريبة وما حولها وأثار انتباه من في الكون وقد انتبه الحمير جميعاً لنهيق هذا الجحش الصغير وقد كانوا وقتها في غفلة من أمرهم، وكان نهيقه العالي يعلن على الملأ: ذَنَبٌ، ذَنَبٌ ، ذَنَبٌ. ثم يهدأ وينهق عالياً مردداً نهيقه الدال على وجود ذَنَب ثم أكمل نهيقه الصارخ جداً معلناً أن الذنب مقطوع ومرمي على أرض الزريبة. هنا وهنا فقط انتبه الحمير إلى ذلك النهيق وبدا كل حمار منهم يفحص ذنبه فحصاً دقيقاً وفحص مدى حقيقة وجوده كونهم جميعاً لم يكن في مقدورهم استيعاب فكرة فقدهم لأذنابهم ولم يمكن تصور الأمر. ولا لوم على الأذناب لكونها كما عهدنا دائمة الالتصاق بالحمير وهي لا تساوي شيئاً إذا ما هي فصلت عن الحمير. فحصيلة خبرتنا التاريخية لم ترنا ذنباً لحمار معلقاً على حائط من الحيطان كأثر فني أو إنها استخدمت في أغراض أخرى غير تلك الأغراض التي يستخدمها الحمير» فقد رأينا أذناب خيول وإن كنا نحن أبناء عمومة معلقة ومستخدمة استخداماً موفقاً في كثير من الأشياء. كما رأينا أذناب ثيران وتماسيح وتيوس وأسود وقطط وأرانب إلا إننا لم نر ذنب حمار أبداً معلقاً على حائط كأثر فني أو مستخدمًا استخداماً مخالفاً لما ذكرنا سابقاً. لقد غاب واندثر نهيق ذلك الجحش وسط الفوضى التي طرأت بين الحمير فلم يعد أحد يستمع لبقية نهيق الجحش وتفاصيل وجود الذنب على أرض الزريبة، غير انه وبعد أن ساد الهدوء وسالت الدماء من الأذناب ونتفت خصلات شعر كثيرة عاد نهيق ذلك الجحش ليصف الذنب ناهقاً نهيقاً خفيفاً، خائفاً من أن تعود الفوضى من جديد كاشفا في البدء عن أسنانه الناصعة البياض الظاهرة من بين جحفلتيه الغليظتين الممتلئتين بالزبد والرغوة الشفافة أملا أن تعيد تلك الابتسامة الصغيرة التي طبعها على محياه الهدوء والطمأنينة إلى الزريبة قائلا إن الذنب صغيرٌ جداً وليس ذا قيمة وهو ليس لحمار من الحمير إطلاقاً وليس لحيوان من الحيوانات التي يعرفها والتي تمشي على أربع وقد شد ذلك النهيق الحمير ورفعت عند ذلك آذانها إلى أقصى ما يكون وفتحت صفحاتها إلى أبعد ما يمكن فتحه وكانت كلها كما يقال آذان صاغية، أكمل الجحش ناهقاً إنها لحيوان يراه للمرة الأولى صغيراً يزحف على الحائط وحين اقترب منه ليتعرف إليه عن قرب تفاجأ بذلك الحيوان وقد تخلص من ذنبه وهرب فاراً سريعاً إلى أين لا يدري بيد ان الذنب ظل يَمِيلُ شمالاً ويميناً ويدور في حركة دائمة في كل اتجاه كمن فقد بوصلة طريقه لفترة طويلة، حتى سكن كلياً ولم يعد يتحرك وكأني به وقد مات. فجأة هجم الحمير جميعاً على الجحش الصغير وأشبعوه ضرباً حتى أدموا ظهره وعجيزته ورموا به في وسط الزريبة وراحوا جميعاً في نهيق عال مازال صداه يرن في آذان الحمير جميعاً حتى يومنا هذا. العجيب في الأمر ان الذنب الصغير ذاك تم رفعه عن الأرض وتم تنظيفه من قبل الحمير جميعاً وعلق على الحائط ليكون درساً للجحوش جميعاً عن الحيوانات التي تتخلص من أذنابها وقت وقوع الخطر وهي ليست من عادة الحمير الأصيلة





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً