العدد 1217 - الأربعاء 04 يناير 2006م الموافق 04 ذي الحجة 1426هـ

عبدالخالق: إشكالنا في وجود نماذج بلا مفكرين ومفكرين بلا نماذج

متحدثاً في «مركز الشيخ إبراهيم» عن مستقبل الفكر العربي

أشار أستاذ كلية الآداب بجامعة فيلادلفيا بالأردن غسان عبدالخالق إلى و«جود إشكال تعيشه أقطابنا العربية في القرن الحادي والعشرين يتمثل في وجود نماذج للدولة العربية الحديثة لكن بلا مفكرين، ووجود مفكرين متوحدين لكن بلا نموذج للدولة». وقال: «إن ذلك يفرز مفارقة على درجة كبيرة من الغرابة في الوطن العربي تحديدا، تترتب عليها الكثير من الاختلالات فيما يتعلق بالمستقبل وبالواقع الحضاري». جاء ذلك خلال المحاضرة التي ألقاها عبدالخالق مساء الاثنين 2 يناير/ كانون الأول الجاري بمركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث وكانت بعنوان «مساهمة في مستقبل الفكر العربي». ومهّد عبدالخالق لمحاضرته بقوله: «ليس أصعب من القول إن مفكراً عربياً واحداً نصّب نفسه رسمياً أو أن دولة عربية واحدة قد نصّبته مفكراً معتمداً للتعبير عن مواقفها وقناعاتها الفكرية. ولو أننا جربنا القيام باستقراء تاريخي خاطئ للاحظنا ­ مثلاً ­ أن الجبريين لم يرتبطوا بعلاقة رسمية مع الدولة الأموية التي انطلق خلفاؤها من قناعة مؤداها أنهم مسيّرون في كل ما يجترحونه من أفعال بحق الرعية. كما أن كثيراً من الظلال والالتباسات تكتنف العلاقة المزعومة بين المعتزلة والدولة العباسية، وخصوصاً إذا نظرنا إليها من زاوية الفراق التاريخي بين شيخ المعتزلة والدولة العباسية بين شيخ المعتزلة عمر بن عبيد وبين تلميذه المؤسس الحقيقي للدولة العباسية أبوجعفر المنصور، بل إذا نظرنا إليها من زاوية التفارق الكبير بين ما كان يدعو إليه المعتزلة بخصوص العدل وبين ما كان يمارسه الخلفاء العباسيون من عسف جاوز في كثير من الأحيان عسف الخلفاء الأمويين الذين طالما أنحى عليهم المعتزلة لأنهم أحالوا الخلافة إلى ملك كسروي عضوض».

ذكاء المأمون

وأضاف «ولعل ما عقده المفكر العربي فهمي جدعان من فصول في دراسته المتميزة (المحنة... بحث في جدلية الديني والسياسي في الاسلام) قد أماط بعض اللثام عن ملابسات هذه العلاقة المزعومة بين العباسيين والمعتزلة وأظهر مدى ذكاء المأمون الذي تمكن من توظيف احدى مقولات المعتزلة بخصوص القرآن لأغراض سياسية بحتة يتمثل أبرزها بضرب السلطة الموازية لسلطته في الشارع وتطهير جهاز الدولة من المتعاطفين مع هذه السلطة الموازية، وإعلان الولاء المطلق للدولة العباسية وللمأمون الذي لم يكن في كل ذلك إلا حاكما كلانيا استحواذيا وأبعد ما يكون عن نموذج الحالم العادل من المنظور الاعتزالي. على أن القطع بوجود علاقة أيديولوجية رسمية بين العباسيين والمعتزلة يكون الى جانب إمكان القطع بوجود علاقة امتداد رسمية بين ابن حزم والموحدين بالمغرب والأندلس، كما حاول المفكر العربي محمد عابد الجابري أن يثبت، إذ إن هذا الإمكان وحتى لو صحت بعض العبارات المنسوبة إلى مؤسسة الدولة الموحدية سيظل يصطدم بحقيقة أن مشروع الفكر الظاهري قد أجهض تماماً على يد فقهاء المالكية في الأندلس، وقبل أن تبزغ شمس الدولة الموحدية التي تمثل مشروعها الأساسي في العودة الى الأصل في نص من قرآن وسنة، والأصل في المذهب المالكي من (موطأ) و(مدون)».

تفرّد ابن خلدون

وتحدث عن تفرّد ابن خلدون بالانشغال المباشر بنظرية الدولة حين أوضح «وأيا كان الأمر، فإن مما له دلالة تاريخية كبيرة أن يعكف ابن خلدون (المفكر العربي الوحيد الذي انشغل انشغالاً مباشراً بنظرية الدولة وشروط صعودها وأفولها) على صوغ أطروحة بهذا الخصوص ولمدة أربعة أعوام. في الفترة التي شهدت تهاوي طموحاته السياسية، وانقطاع علاقته الرسمية مع كل الدول التي كانت تظهر وتختفي خلال شهور وأيام، فهو ما دفعه الى الاعتزال والتفرغ للتأليف مدشناً حال استبصار تاريخي فذ في مظاهر الأفول واستشراف تاريخي لامع لشروط الصعود أو لشروط النموذج الغائب أو الذي غدا غائباً».

المربع الأول

وأضاف «وعلى رغم أن المقدمة الخلدونية اقتربت من أن تكون أطروحة ممكنة للدولة الخديوية في مصر حين شجع الشيخ الطهطاوي على اعادة طباعتها وصدرت في طبعتها المصرية في العام 1858 وتمت مقاربتها بدراسة ضافية لطه حسين بعنوان (فلسفة ابن خلدون الاجتماعية) العام ،1925 فإن تراجع الدولة الخديوية عن مشروعها النهضوي، بفعل الضغوط الأجنبية المتوالية وتحولها إلى دولة وظيفية تابعة للمستعمر الأجنبي، أعاد العلاقة بين المفكر العربي والدولة العربية الى نقطة الصفر أو المربع الأول».

التسيير اليومي

وعن تأثير التسيير اليومي الذي تتبعه الدولة العربية في خلق عبء على السياسي العملي، أوضح عبدالخالق «من الملاحظ أن الدولة العربية بكل تجلياتها القديمة والحديثة وحتى عندما تتبنى توجهاً فكرياً فإنها تميل الى التسيير اليومي لشئونها وعلى نحو عملي ذرائعي يسهل تعاطيها مع الاستحقاقات التاريخية بوصفها استحقاقات مهنية وظيفية بحتة وليست بوصفها استحقاقات ينبغي أن تستند الى معيار فكري يمكن الاحتكام اليه، ولذلك فإن وجود مفكرين في قلب مراكز صنع القرار العربي يمثل بالنسبة إلى السياسي العملي عبئاً ثقيلاً خلافاً لما يحدث في الدولة الغربية الحداثية التي تجهد لإقصاء أي قرار ومهما بدا هذا القرار فنيا أو اجرائيا بطبقة سميكة من الفلسفة الاجتماعية والسياسية التي يمكن أن تضمن للنظام شرعيته الأخلاقية».

في الصف الثاني

وأضاف «ومن الملاحظ أيضا أن الدولة العربية الحديثة وبصيغتها القوية تحديدا عمدت الى التعامل مع هذه المفارقة المحرجة بأن وضعت المفكر في الصف الثاني أو الثالث من دوائر صنع القرار ولم تسمح له بأكثر من ذلك، فيما قبل معظم المفكرين العرب الذين عاشوا ومازالوا يعيشون أجواء الدولة الشمولية، أما من لم يقبلوا سواء من موقع الاختلاف الاجتماعي أو من موقع التناقض، فإنهم قد جرّوا على أنفسهم بلاء عظيما حتى من قبل الذين طالما بشّروا بأفكارهم وتسنموا مسئولياتهم السياسية استنادا الى تنظيراتهم».

الحداثيون القوميون

كما أشار الى الحداثيين ووعيهم بأن الدولة هي صنو النسق، حين قال: «إن ما يعنينا من هؤلاء المفكرين أولئك الحداثيون القوميون والماركسيون والليبراليون، أولئك الذين وعوا تمام الوعي أن الدولة هي صنو النسق الذي لا يمكن أن يستقيم إلا بالنظام الذي تكفله المؤسسات والدستور وإلا بالعلم والعقل الذي توفّره الجامعات ومراكز الأبحاث والا بالنقد، صمام الأمان الذي لا تنتجه إلا الحرية الفكرية وإلا الشرعية التاريخية التي لا تضمنها إلا الإرادة الشعبية». وأضاف «وقد وجد هؤلاء المفكرون أنفسهم في ورطة أخلاقية ثلاثية الأبعاد، فهم إذا شخصوا بنظرهم الى النموذج الاشتراكي لم يسلموا من امكان اتهامهم بالترويج لنموذج حداثي مستبد، واذا شخصوا بنظرهم الى الغرب لم يسلموا من امكان اتهامهم بالترويج لنموذج حداثي مستعمر، واذا شخصوا بنظرهم الى النموذج العربي لم يسلموا من امكان اتهامهم بالترويج لنموذج هجين تتجاور فيه أنماط ما قبل الحداثة مع ما بعدها ناهيك عن استبدادها المطلق».

خارج الدائرة

وقال: «ومن البديهي أن يتجه هؤلاء المفكرون الحداثيون ­ بدءاً من سبعينات القرن الماضي ­ إلى التمترس تدريجيا في بروجهم العاجية بعيدا عن نماذج الدولة العربية الحديثة وبعيدا عن نبض الشارع في آن. فكان أن أنتج اللامعون منهم خطابات عقلانية نقدية ضافية، لكنها كانت ومازالت خارج دائرة اهتمام صانع القرار وخارج دائرة القرّاء العرب، بل إنها كانت ومازالت خارج دائرة المثقف العربي التقليدي الذي لايزال يفهم الثقافة على أنها أدب ونقد». وأضاف «ومن المؤسف القول إن هذا التقوقع قد ترافق مع الاختفاء التدريجي لظاهرة المثقف العربي العابر للتخصصات أو الناقد الحضاري القادر على هضم وتذويب مخرجات الحقول المعرفية ومخرجات الحقول العملية، وتقديمها إلى المواطن العربي العادي أو حتى للمثقف العربي التقليدي بلغة مفهومة وقابلة للترجمة على أرض الواقع ويمكن اخضاع نماذجها أو مشروعاتها للقياس»





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً