لماذا قرر نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام تفجير قنابله السياسية في باريس... أو المنفى الذي اختاره لكتابة مذكراته، كما ذكر لاصحابه قبل مغادرته دمشق؟ ولماذا قرر توقيت كلامه بعد صدور القرار الدولي المعتدل في فقراته وتوجهاته قياساً بالقرار الذي اتصف بالكثير من التطرف والانحياز في توجيه أصابع الاتهام؟
كلام خدام الذي جاء خلال حديثه إلى محطة «العربية» الفضائية أقرب في لهجته إلى تلك الصيغة التي وردت في تقرير ديتليف ميليس الأول. فهو متشدد ويستند إلى وقائع بحاجة أيضاً إلى نوع من التدقيق والتوثيق. ولكن لماذا قاله بعد صدور التقرير الثاني الذي اعاد النظر في الكثير من الروايات وتحفظ على بعض المعلومات بانتظار أن تستكمل الصورة. والصورة بحاجة، كما قال ميليس، إلى مزيد من الوقت والبراهين والادلة الدامغة.
ليس مهماً الكلام الخطير الذي قاله نائب الرئيس السوري في حديثه إلى محطة «العربية». فالكلام أحياناً لا معنى له مهما بلغ درجات عالية من الخطورة الا إذا وضع في سياق عام وكانت له وظيفة داخلية. ففي أي سياق يمكن وضع كلام خدام؟ ولماذا قاله الآن؟
تحديد السياق وتوقيت إطلاق الاتهامات التي طاولت أعلى سلطة في النظام هو الاهم. فالتوقيت أخطر من الروايات التي أتى على ذكرها. فهل الكلام هو رد فعل على واقع سياسي داخلي وموقع نائب الرئيس في توازنات السلطة الجديدة التي أعيد ترتيبها بعد رحيل المؤسس؟ هذه فرضية.
فرضية ثانية. هل الكلام لا علاقة له بالتوازنات الداخلية للسلطة وإنما يعكس توجهات جديدة لنائب الرئيس مبنية على توقعات محتملة في الفترة المقبلة؟
فرضية ثالثة. هل الكلام هو نتاج صحوة ضمير أو بداية حركة سياسية تتصل بمناخات إقليمية ودولية لها مصلحة في إعادة تحريك أوراق الملف الذي انتهى منه ميليس وينوي تسليمه إلى الرئيس الجديد للجنة التحقيق الدولية؟
كل هذه الفرضيات لابد من اخذها في الاعتبار. فالكلام لا يمكن عزله عن ظروف المكان والزمان والمدى الذي ذهب اليه نائب الرئيس في حديثه الذي تناول مجموعة قضايا كان هو إلى فترة قريبة العهد من المسئولين عنها.
لماذا إذاً العودة إلى ملفات داخلية تمتد إلى فترة تسبق العهد الحالي؟
الجواب يحتمل أكثر من ترجيح. أما أن يكون الكلام عن الإصلاح والفساد مجرد حديث عام وعابر للتغطية على الهدف الرئيس من المقابلة وهو إثارة تلك الأوراق المتعلقة بمسألة اغتيال الحريري والدفع مجدداً باتجاه فتحها في سياق مختلف عن الإطار السابق. وأما أن الكلام جاء للرد على قلق داخلي نجم عن التوازنات الجديدة التي استقرت عليها السلطة وأدت إلى إخراجه من الصورة.
حتى الآن لا يعرف الهدف الحقيقي من الحديث ولماذا جاء بهذه الصورة وفي هذا التوقيت؟ فهل أراد خدام تغيير زوايا الطاولة بعد أن استقرت نسبياً لمصلحة النظام بعد صدور القرار ؟ أم أنه أراد الدفاع عن موقع فقد دوره ووظيفته في توازنات السلطة؟
ربما استهدف خدام في حديثه أكثر من نقطة. فهو أشار إلى سياسات داخلية متهماً غيره بتحمل مسئوليتها ونتائجها. وهو أشار إلى سياسات خارجية (لبنانية ودولية) استبعد نفسه من مسئولية تأسيسها ورعايتها. وفي الاشارتين مال خدام إلى توصيف الوقائع وتجنب تقديم البدائل. فهو مثلاً تحدث عن قراءات خاطئة للمتغيرات الدولية والإقليمية ولم يذكر القراءة الصحيحة لتلك المتغيرات. وذكر أيضاً مجموعة نقاط عن الحالات والأوضاع الداخلية متجنباً تقديم اقتراحات تسهم في سد الثغرات ومعالجة المشكلات.
الاكتفاء باستعراض السلبيات وكشفها في حديث تلفزيوني يرجح احتمال وجود دوافع أخرى تتجاوز في حدود معينة مسألة الإصلاحات والتوازنات الداخلية. فالكلام خطير وخطورته في سياقه وتوقيته الذي أعاد تسخين نقاط تتصل بملفات إقليمية ودولية. فالمسألة ليست داخلية. وخدام استخدم قضايا الداخل لتبرير عملية الربط بين توازنات السلطة الجديدة وما وصفه بقراءات خاطئة في السياسات الخارجية
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1214 - الأحد 01 يناير 2006م الموافق 01 ذي الحجة 1426هـ