شخصٌ لم تلتقه في بر ولا بحرٍ، ولم تعرفه إلاّ من خلال الأخبار، ومع ذلك، تشعر بأنه شخص تعرفه من قديم.
حزنتُ لأول مرةٍ لخبر اعتقاله قبل ثلاثة أعوام، وحزنت أكثر مرة أخرى حين سمعت خبر إطلاق سراحه قبل ثلاثة أيام!
ميشيل كيلو، هو رئيس «مركز حريات» للدفاع عن حرية الرأي والتعبير، وعضو ناشط في لجان إحياء المجتمع المدني في بلاده، اعتقل في 14 يونيو/ حزيران 2006، وحُكم بالسجن ثلاث سنوات بتهمةٍ من ثلاث شُعَب: «إثارة النعرات الطائفية، والنيل من هيبة الدولة، وإضعاف الشعور القومي»! ويبدو أن كلّ تهمةٍ عقوبتها البقاء سنة كاملة في السجن!
اعتقال كيلو كان بسبب التوقيع على «إعلان دمشق بيروت» الذي تضمن ثلاث فقرات: تصحيح العلاقات اللبنانية السورية، وترسيم الحدود بين البلدين، وتبادل العلاقات الدبلوماسية بينهما. وجاء إطلاق سراح كيلو بعد انتهاء فترة محكوميته، وفوقها زيادة خمسة أيام. فقد انتهى الحكم يوم الخميس قبل الماضي، إلا أنه نقل إلى مجمع أمني، حيث أبقي قيد الاعتقال خمسة أيام إضافية حتى أطلق الثلثاء الماضي.
كيلو كان أحد الموقعين على ما سُمّي إعلان «دمشق بيروت»، وهو وثيقةٌ وقّعها خمسمئة من المثقفين والناشطين السياسيين من سورية ولبنان العام 2006، ولم يمضِ إلا وقتٌ قصيرٌ من صدور الإعلان حتى ألقي القبض على كيلو ووُجّهت إليه تهمة ارتكاب جريمة «إضعاف الشعور القومي»!
كيلو زار البحرين قبل أشهرٍ من اعتقاله، للمشاركة في أحد المؤتمرات القومية، وكان متفائلا بالتغيير التدريجي في بلاده، إلا أنه سرعان ما ثبت أنه كان مخطئا في توقعاته... فالجماهير العربية غالبا ما تكون توقعاتها أكثر من اللازم!
في البداية لم أصدّق ما نقلته إحدى وكالات الأنباء من أنّ حالته الصحية والنفسية جيدة، فهو رجلٌ عجوزٌ شارف على السبعين، إلا أن ما سمعته في المساء في اتصال إحدى الفضائيات به أكد صحة ذلك، فقد كان يتحدّث بانبساطٍ يُحسد عليه، إذ قال: إن «كل ما طالبنا به تحقق والحمد لله، ولم تذهب ثلاث سنوات من السجن هباء»!
لا أدري هل هو من الشخصيات المرحة أم لا، إلا أن كلامه كان صحيحا تماما، فالعلاقات بين سورية ولبنان أخذت طريقها نحو التصحيح منذ أشهر، وتبادل العلاقات الدبلوماسية تم بتعيين سفيرين في العاصمتين، وترسيم الحدود موضوعٌ أو سيُوضع على الطاولة.
أحد من التقاه يقول: إن كيلو تعرّض لتجربة الاعتقال من قبل، ورغم أنه يساريٌ عتيقٌ إلا أنه اتُهم في السبعينيات بالانتماء للأخوان المسلمين، فكان يقول للمحقّق: «والله ما عم يقبلوني الأخوان معاهم... أنا أصلا مسيحي اسمي ميشيل»!
ميشيل هذا ليس ممثلا كوميديا، وإنما هو محللٌ سياسيٌ وكاتبٌ ومترجمٌ وعضوٌ في اتحاد الصحافيين في بلاده، كان يطالب بالحرية ويحلم بالإصلاح التدريجي ليخرج الوطن العربي من غيبوبته الحضارية، ويتجاوز زمن التفسّخ والمهازل والانحلال.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2450 - الخميس 21 مايو 2009م الموافق 26 جمادى الأولى 1430هـ