تناقلت وسائل الإعلام ما بثته وكالة أنباء الإمارات (وأم) يوم الأربعاء (20 مايو/ أيار2009) حول قرار دولة الإمارات الانسحاب من خطط الوحدة النقدية لدول الخليج العربية، مبرزة ما جاء على لسان مسئول بوزارة الخارجية أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد قررت «ألا تكون طرفا في اتفاقية الاتحاد النقدي الخليجي»، دون أن تغفل ما جاء على لسان محافظ المصرف المركزي سلطان ناصر السويدي، الذي حاول أن يخفف من شدة وقع القرار على الجهات الرسمية الخليجية من جهة، وعلى ضعضعة الأوضاع الاقتصادية الخليجية المتعثرة، من جراء الأزمة المالية العالمية، من جهة ثانية، الذي أكد على أن «السياسة النقدية لدولة الإمارات ستستمر في نهجها المنفتح دون أي تغيير وسيستمر سعر صرف الدرهم مربوطا بالدولار الأميركي».
كان من الممكن أن تنسحب الإمارات من «الوحدة النقدية الخليجية»، دون أن تثير كل هذه الزوبعة، فهناك تجارب وحدوية نقدية إقليمية أخرى، كتلك القائمة بين دول الاتحاد الأوروبي، لا تنضوي تحتها كل الدول الأعضاء، بما فيها دول مهمة مثل بريطانيا التي لا تزال، رغم عضويتها المميزة في الاتحاد، تحتفظ بعملتها الخاصة بها لأسباب كثيرة تتعلق بالاقتصاد البريطاني من جهة، والعلاقات الأنجلو - أميركية من جهة ثانية.
الحقائق تقول إن انسحاب الإمارات من «الوحدة النقدية الخليجية» ليس الشرخ الوحيد الذي يهدد تماسك هذا الكيان. ففي نطاق هذه الوحدة، هناك سلطنة عمان التي لم تعلن حتى الآن انضمامها الرسمي لهذه الخطوة. وهناك الكويت المصرة، ولديها كل الحق في ذلك، على موقفها في عدم ربط عملتها بالدولار الأميركي، وفوق هذا وذاك، هناك الامتعاظ السعودي من توقيع البحرين لاتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة.
إلى جانب الاقتصاد، هناك السياسة، إذ لا تخلو الجعبة السياسية الخليجية من الثقوب التي تهدد وحدتها، فصراعات المشاركة في قمة الدوحة الأخيرة لا تزال عالقة في الأذهان، وحبر تناقض مواقف دول مجلس التعاون من القمة الاقتصادية لم يجف بعد.
لكن مما لا شك فيه، أن للموقف الإماراتي تأثيرات سلبية عميقة على مسيرة «الوحدة النقدية الخليجية» التي لا تزال في مراحلها الجنينية، والتي يصر الأمين العام لمجلس التعاون عبدالرحن العطية، كما ورد في تصريح له لصحيفة «الحياة اللندنية» قبل انعقاد قمة مسقط في نهاية العام 2008، على التفاؤل بتحقيقها في العام 2009، محددا «العام 2010 موعدا لانطلاق العملة الخليجية الموحدة».
تكفي الإشارة إلى أن الاقتصاد الإماراتي وحده يشكل 25 في المئة من الاقتصاد الخليجي، ولا تتقدمه في ذلك سوى السعودية. وإذا ما احتسبت دبي ضمن الاقتصاد الإماراتي، ترتفع تلك النسبة، وتتضاعف من جرائها السلبيات الناجمة عن هذه الخطوة الإماراتية التي يشوبها بعض التسرع والانفعال، والتي تثير قضية في غاية الأهمية، تتعلق بمتانة أو بالأحرى هشاشة الروابط القائمة، والمتوقع أن تقوم مستقبلا بين دول مجلس التعاون.
ورغم الإسقاطات الكثيرة التي ساقها البعض لتفسير «الانشقاق» الإماراتي، من نمط تلك التي أوردتها صحيفة «القدس» اللندنية، حيث أشارت إلى أن «هناك مشكلة مزمنة بين البلدين تمتد جذورها لأكثر من ثلاثين عاما تتمثل في مطالبة الإمارات بنصيب أكبر في حقل الشيبة النفطي الواقع على الحدود بين البلدين، وينتج نحو نصف مليون برميل من النفط يوميا، بالإضافة إلى مطالبها بالشريط الساحلي المقابل له (منطقة العديد) الذي تعتبره الإمارات تابعا لها، وبلغ الخلاف بشأن هذا الشريط ذروته، عندما عارضت الحكومة السعودية بناء جسر بحري يربط الإمارات بدولة قطر ويمر فوق المياه الإقليمية لهذا الشريط». لكن كل الدلائل تشير إلى أن السبب المباشر، أو القشة التي قصمت ظهر بعير المجلس، كان إصرار الرياض على أن تكون المقر الرسمي للبنك المركزي الخليجي، رغم أن الإمارات، وكما تقول مصادرها الرسمية، كانت أول من تقدم بطلب كي تكون أبوظبي مقرا للبنك، وفي مرحلة مبكرة من بدء الحديث عن تأسيس البنك.
ليس من حق أحد أن يلوم الإمارات فيما طالبت به من احتضان مقر البنك المركزي، لكن من حق المواطن الخليجي أن يأخذ على الإمارات، دون أن يعطي العذر للرياض، هذا الموقف «المتشدد» إن جاز له القول، بذهابها إلى مستوى الانسحاب وفي هذه المرحلة بالذات، حيث تلوح في الأفق سحب إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط، كما تفصح عنها التحركات الدولية والإقليمية.
فأكثر ما يحتاج له الشق العربي من الخليج اليوم، هو أشد درجة من التماسك الذي يبيح تعزيز عناصر الوحدة، عوضا عن الشقاق، التي تؤدي إلى بروز كتلة خليجية، لا تشوبها أية خلافات كتلك التي ولدتها الخطوة الإماراتية، من أجل الدفاع عن المصالح الخليجية، وضمان عدم المساس بالمصيري بها. فالإدارة الأميركية الجديدة واللقاءات التي أجرتها، سرا وعلنا مع الدول المؤثرة في الجغرافيا السياسية للمنطقة، تدعو العواصم الخليجية إلى المزيد من التآزر، بدلا من إثارة عناصر التنافر، ففيما لو جرت بعض التنازلات، وتراجعت الإمارات عن موقفها في وقت لاحق، تكون الفرصة قد ضاعت من أمام الكتلة الخليجية كي تقول كلمتها فيما تم التوصل له بين الأطراف الضالعة اليوم في وضع اللمسات الأخيرة لمستقبل المنطقة خلال العقد القادم، على أقل تقدير. الخسارة ستكون مضاعفة، ولن تستثنى دولة الإمارات منها.
ولعل رجاحة عقل أهل الحل والعقد في الإمارات تسارع كي تقنع صناع القرار هناك بمراجعة موقفهم، والدخول في مساومات مع الجهات المعنية خليجيا بموضوع مقر البنك المركزي، علّها تقود إلى رأب الصدع، وتقليص نقاط الخلاف، الأمر الذي من شأنه أن يجنب دول مجلس التعاون إضاعة فرص من أمامها عندما توزع حصص الأطراف الشرق أوسطية، وألا يدع العقلاء من القوم الانفعال السريع يسود الموقف ويقود إلى ما لا تمحد عقباه.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2450 - الخميس 21 مايو 2009م الموافق 26 جمادى الأولى 1430هـ