العدد 3142 - الخميس 14 أبريل 2011م الموافق 11 جمادى الأولى 1432هـ

ثورة الخائفين وحيرة الثائرين: مقاربة إنسانية (1)

كثيرا ما حلمنا نحن أجيال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي بهذه الثورة العظيمة التي تجتاح عالمنا العربي هذه الأيام. لكن لا اعتقد أن أحدا منا كان يعني بتسمية الثورة ما نشاهده اليوم من استرسال للأحداث ومن تداع للوقائع. ربما لأننا كنا نرى هذه الثورة في ثقافة الآخرين اقتلاعا من الجذور عنيفا وتحوّلا في موازين القوى شديدا، فكنا لذلك نتوقع طمعا للثورة ترتعد عنده فرائصنا انتشاء مشتقا من نصر الثائرين. لكن ثورة الشباب من اجل الكرامة لم تأت على النسق الذي انتظرته تلك الأجيال ولا على المعنى الذي حوته المعاجم وكتب التاريخ. فما المختلف في هذه الثورة؟

- العبور من الافتراضي إلى السوسيولوجي.

- سيكولوجية ثورة الخوف.

- منطق الثورة وحيرة السياسة.

1 - العبور من الافتراضي إلى السوسيولوجي:

بعيون حداثية تتحوّل الثورات العلمية والتكنولوجية دائما إلى حدث سياسي مزلزل، فبعد الثورة الكوبرنيكية وما هيّأت له من سقوط للأنظمة السياسية القروسطية في أوروبا والثورة الصناعية التي فجرت الثورات الاشتراكية جاء دور الثورة الاتصالية لتفرز ما نشهده من ثورات في المنطقة العربية وربما علينا أن نتوقع تحولات أخرى بعد الثورة البيولوجية التي بدأت تشق طريقها منذ حين.

فقوى التغيير السياسي في الواقع العربي أعيتها الحيلة وهي تبحث عن منفذ للواقع تستطيع عبره مخاطبة الجمهور وتعبئته للتصدي للظلم والاستبداد. وكانت العقود الأربعة الأخيرة تاريخا طويلا من الفشل المتراكم والمعيق لإحداث هذا التغيير. وفي الوقت الذي ثقلت فيه يد الدكتاتورية على رقاب الأحرار والمناضلين، نشأ جيل بين صفحات تواصلية على الفيسبوك والتويتر والدايلي مويشن وغيرها من المواقع الافتراضية في شبكة النت. بدأ هذا الفعل التواصلي بسيطا وسطحيا بدردشة او معاكسة لكنه انتهى فعلا تغييريّا عظيما في التاريخ المعاصر. وجدير بالباحثين هنا التوقف للبحث في شروط هذا التحول من الافتراضي إلى الواقعي. على الأقل كان العلم الحديث يشد خطابه دائما على هذا المبنى الأكسيومي بين افتراضية المنطلقات وواقعية النتائج، وكان الجميع يسلّم بذلك ماداموا جعلوا أنفسهم أدوات لنمذجات نسقية حديثة.

أمّا أن يؤول الأمر على هذا المنوال إلى الفضاء السوسيولوجي فما كان له ليحصل لولا تحول الثورة التي عاشتها المنطقة العربية. ومع ذلك فإنّ تأويل الأمر على انه قانون علمي يؤول به الباحث من الفرضي إلى الحتمي، لا يعبر عن كل شروط إمكان تحقق هذه الثورة. فالذهاب من الافتراضي إلى السوسيولوجي احتكم إلى إرادة والى منظومة قيمية اكتمل بهما التفاعل الكيماوي للثورة. فالشباب الذي جمعته المحادثات النصية القصيرة استطاع أن يبني جسرا من الثقة البينية الضرورية لتشكيل أية إرادة جماعية. إن الثقة في عمقها استجابة إرادية لوضع من الانفتاح الإنساني الأقصى. كان شباب النت يترجم ببساطة تعبيراته صدقا فطريا يهرب به من مغالطات الواقع إلى صفاء عالمه الافتراضي. شق شباب الثورة طريقهم فارين من واقع الاضطهاد والاستلاب إلى عالم افتراضي يستطيعون أن يعبّروا فيه بحرية كانوا دائما يفتقدونها في الواقع. فلقد كان الافتراضي ضربا من الوهم الفردي أو هو حلم فردي معزول فلما أن أصبح الحلم جماعيا بدأ يتحقق أو هكذا غنت إحدى الفنانات البرازيليات.

2 - سيكولوجية ثورة الخوف: ربما لو أردنا وصفا جامعا مانعا للواقع العربي قبل التحولات الأخيرة لملأته عبارة الخوف. كان عالمنا عالم خوف في الوقت الذي تصمّ فيه آذاننا بالحديث عن الأمان. وهذه مفارقيّة أنطولوجيّة خطيرة في تأثيرها على التوازنات النفسية وتلك المتعلقة بالوعي. فالكائن السياسي الذي يستشعر، بما عنده من ملكات تتجاوز المباشرتية في فاعليتها، وضعا حادا من الخوف يواجه صورة نفسية عمومية تصنعها آلة مهيمنة على الواقع. لذلك لم يكن من السهل تحرر هذا الكائن السياسي من هذه الصورة، بل ولم يكن ممكنا له التخلص منها بما يتراكم من وعي

العدد 3142 - الخميس 14 أبريل 2011م الموافق 11 جمادى الأولى 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً