العدد 3141 - الأربعاء 13 أبريل 2011م الموافق 10 جمادى الأولى 1432هـ

ألم يحن الوقت لإعمال العقل؟

شوقي العلوي comments [at] alwasatnews.com

.

يبدو أن الكثيرين منا لديهم عقول مقفلة، كل من هؤلاء الكثيرين يتصور أنه يملك الحقيقة المطلقة التي لا يدخلها الباطل، وأنه يملك كامل الحق وغيره هو الباطل بعينه. هؤلاء يأخذون صفة التعميم على كل من يختلف معهم. يصل البعض منهم إلى درجة من عدم الاتزان في تفكيره، يشعرونك في أقوالهم التي لا تخفي الحقيقة التي تكتنز أنفسهم بروح عدوانية تكره الآخر وتحتقره، حركاتهم وتعابير وجوههم تشعرك بعدوانية مفرطة تجاه من يختلف معهم. هذا النمط من البشر هم عنصر هدم للمجتمع الذي يعيشون فيه ولا يمكن لهم أن يكونوا عنصر خير وبناء، فهم من يصب النار على الزيت لتأكل الأخضر واليابس، أنانيتهم تحرق الآخر دون اكتراث. هذا النمط من الناس ليسوا موجودين في فريق معين دون الآخر، هم موجودون في كل المواقع والأماكن وبين مختلف الملل والنحل والتكوينات، هم موجودون بيننا، هم كثر بين المتعاطين في الشأن السياسي سواء في هذا الجانب أو ذاك الجانب، روح الانتهازية هي التي تحكمهم وتحكم تصرفاتهم، غير آبهين بالضرر الذي يسببونه لوطنهم ولتكوينه الاجتماعي والسياسي، كل ذلك يأتي منهم تحت عنوان الوطن وحب الوطن والتضحية من أجل الوطن!

الموضوع ذو صلة، لنقول، إن الأوطان والمجتمعات لا يمكن أن تبنى بروح الانتقام من أي طرف كائن من كان، وبآلية التعميم وفق هذه الروح من هذا الطرف أو ذاك الطرف، وخاصة أن الأوطان والمجتمعات ليست ملكاً لفرد أو لأفراد محدودين، هي ملك لجميع مكونات الوطن والمجتمع. وحتى نكمل الصورة فإن الأوطان لا يمكن أن تبنى إلا بالمحبة بين مختلف مكوناتها، لا يمكن أن تبنى وفق رؤية طرف منفرد دون آخر، لا يمكن أن تبنى إلا وفق تقاطعات بين جميع المكونات، إلا وفق تنازلات متبادلة للوصول إلى توافقات جامعة تؤدي إلى البناء. بالاختلاف وبالحوار الأمين الصادق الذي يقرب المسافات والنفوس ويحول الاختلاف إلى نعمة للوصول إلى الأفضل والأحسن، نستطيع أن ننهض ونبني وطناً متقدماً متصالحاً أساسه الحق والعدل والمحبة. أما بالاختلاف الذي يتحول إلى حرب وإلى توسيع للفجوة بين مكونات الوطن، فإننا لن نصل إلا إلى الاحتراب وهدم لكل مكونات الوطن.

الأمم الحية تنهض من خلال كبواتها التي تتعلم من خلالها الدروس، أما الأمم الميتة التي لا تستحق البقاء فهي التي تستغرقها كبواتها. إن الفترة العصيبة التي مرت ويمر بها وطننا تستدعي من الجميع الوقوف بتجرد وبمحبة صادقة حتى نبرهن لأنفسنا وللعالم أجمع بأننا شعب جدير بالحياة، شعب يستطيع النهوض من كبواته ليبني وطناً يحتضن جميع أبنائه، نريد أن نقول إن اختلافنا نعمة، فهو الذي يجعلنا نصل إلى الأحسن والأفضل.

بالرغم من كل الآلام والآهات التي تعتصر النفوس جميعاً، بالرغم من كل الأحزان التي وصلنا إليها والتي تخيم على كل بيت من بيوتنا، وفي كل موقع من مواقع عملنا، بل وفي كل شارع من شوارعنا، وفي كل نفس وطنية غيورة، فنحن بحاجة إلى وقفة مراجعة سريعة من كل الأطراف دون استثناء، وقفة تؤدي بنا إلى تغليب روح المحبة، تؤدي إلى راحة سريعة في النفوس، تؤدي بنا إلى الاطمئنان، ذلك لا يمنع من المحاسبة المنصفة، لكن المحاسبة من طرف لآخر وبالتعميم الذي يتم وفي لحظات من الانفعال، لا يمكن لهذا النوع من المحاسبة أن يحقق العدالة. نحن جميعاً بحاجة إلى مراجعة مدروسة نحاسب بها أنفسنا، مراجعة لا تتم تحت الضغط والتهديد والمطالبة بالاستسلام، ذلك لا يؤدي إلى حلول وطنية.

هل يمكن أن تقوم قائمة لوطن ما ينشطر أهله إلى أجزاء متنافرة معادية لبعضها البعض؟ هل يمكن للأسرة الواحدة أن تعيش في منزل واحد وأفرادها يعادون بعضهم بعضاً؟ هناك فرق بين أن نختلف ونعيش متحابين متصالحين، وبين أن نختلف ونعيش متخاصمين متعادين متناحرين.

إنها أوقات أحوج ما نكون فيها إلى المحبة والتسامح والتعالي على الجراح. شعبنا ووطننا يستحق منا كل ذلك وأكثر.

نصل لنقول: هل يراد لنا أن نكون عراقاً آخر؟

إقرأ أيضا لـ "شوقي العلوي"

العدد 3141 - الأربعاء 13 أبريل 2011م الموافق 10 جمادى الأولى 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً