«سيكون يوماً حزيناً في تاريخ الإعلام البحريني لو أغلقت أي صحيفة في البحرين، والمحزن أكثر إذا كانت هذه الصحيفة تمثل فئات معينة في مجتمع تعددي؛ فالخسارة أكبر... فإن كان لنا كلمة فإننا نؤكد أننا لا نريد أن نخسر صحيفة تعارض أفكارنا، نريد أن نكسب صحيفة تزيدنا فهماً وتعد مصدراً موثوقاً للمعرفة، نحن مجتمع تعددي ولكل منا رأيه ومصالحه ورغبته ولابد أن تجد كلمة الجميع مكاناً بيننا، وقد كانت (صحيفة) الوسط إحدى تلك الوسائل رغم اختلافي مع طرحها ورغم ما أصابني منها في كثير من المواقف إساءات من أشخاص بعضهم اعتذر وبعضهم لم يعتذر، لكن في نهاية المطاف نحن نحتاج لمن يتحدى أقوالنا ويشكك في أفكارنا، نحتاج لمن يفند آراءنا فتلك ظواهر صحية لا تخيفنا. لذلك أتمنى أن تظل الوسط صحيفة (المعارضة) التي تختلف معنا، أتمنى أن تبقى على تميزها واختلافها، فلها قراؤها ولها خطها دون أن تكون لها حاجة لخرق شرف المهنة وأخلاقها».
ذلك بعض مما جاء في عمود الزميلة سوسن الشاعر اليومي في صحيفة «الوطن» الغراء. وعندما نطالع ما أورده مدير مشروع حماية الحيوان والبيئة السوري دارم طباع حول زهرة السوسن، نقول إن الاسم جاء على المسمى. فزهرة السوسن «تمتلك بتفردها وجمالها معاني غنية. وتاريخ السوسن يعود إلى العصور اليونانية القديمة عندما لعبت الالهة إيزيس رسولة الرب ومجسدة قوس قزح دور صلة الوصل بين السماء والأرض. كما زرعت السوسن البنفسجية فوق قبور النساء لدعوة الالهة لتكون دليل الميت أثناء رحلته. أما السوسن الأبيض فهو لون الصباح وكان يزرع على قبور المسلمين. وقد وجدت رسوم لزهرة السوسن في العديد من القصور الفرعونية». يكفي من كل ذلك أن نقتطف كون السوسن، كما هي سوسن الشاعر في عمودها قوس القزح الذي يجسد «دور صلة الوصل بين السماء والأرض»، عندما تحاول أن تدعو إلى استمرار الصلة بين من يختلفون في الرأي، معها أو فيما بينهم، مهما كانت شدة الخلافات، بل وتقف ضد من يحاول أن يسكت أصواتهم.
نعود لما جاء في العمود، وكما عودتنا الشاعر، لم تخف ولو للحظة واحدة اختلافها، بل وحتى مآخذها على «الوسط»، وبعض من كتبوا فيها، لكنها أيضاً، لم تفتقد الشجاعة الشخصية، ولا الجرأة المهنية، كي تقف وتنقل لنا إصرارها على أن «تظل الوسط صحيفة (المعارضة) التي تختلف معنا». لا يخفى على الشاعر، بل ربما تدرك هي أكثر من سواها، أنها بهذا الموقف، إنما تجدف ضد التيار الذي يشن اليوم حرباً شرسة ضد صحيفة «الوسط»، وبأنها تسبح، بشكل استثنائي، في اتجاه معاكس لموجة «التسونامي» الموجهة ضد «الوسط». لكن في حقيقة الأمر، فإن الشاعر عندما تأخذ هذا الموقف، تدرك أكثر من سواها أيضاً، أنها تدافع، عن القضايا التالية:
1 - المشروع الإصلاحي الذي قاده جلالة الملك، والذي يرتكز أساساً على الاعتراف بالآخر، ومنحه حقه في التمسك بآرائه، مهما كانت سعة الاختلافات بين الأطراف المتحاورة، بل وحتى المتنافسة.
2 - حق أي من الصحف البحرينية ومن بينها صحيفة «الوطن»، ومعها، بطبيعة الحال كتابها الجادون من أمثال الشاعر، في إبداء رأيهم، بغض النظر عن توافقهم أو اختلافهم مع الآخرين، طالما تقيد هذا الرأي بأخلاق المهنية الصحفية، والتزم بما تقره القوانين والأنظمة المعمول بها في المملكة. ما تقوم به الشاعر اليوم يذكرنا بما جاء في الحكمة المتداولة والمعنونة بالتساؤل «متى قتل الثور الأسود؟» فقتل «الوسط»، لا قدر الله، اليوم، يشكل سابقة، تفسح في المجال وأد أية صحيفة أخرى في المستقبل.
3 - زرع الثقة المتبادلة بين الأقلام المحلية، وحثها على احترام بعضها البعض، مهما بلغت خلافاتها من حدة. فمن جهة يؤسس مثل هذا الاحترام لبناء بيئة خصبة للحوارات المثمرة البناءة، ويوفر المناخات التي نحن في أمسّ الحاجة إليها، من أجل الانطلاق نحو مجتمع مدني قادر من خلال الأخذ بمبدأ التعايش المشترك، رغم الاختلافات القائمة بين أفراده ومؤسساته.
لقد دعت سوسن في عمودها الجميع كي «لا يخسروا الوسط»، ونحن بدورنا ندعو الجميع أن يربحوا سوسن. وليست هناك من وسيلة تساعدنا على أن نربح سوسن أفضل من تأييدها فيما ذهبت إليه، ومساندتها فيما دعت إليه، فيضموا صوتهم إلى صوتها المنادي عالياً بالدفاع عن حق «الوسط» في الاستمرار، دون أن تفقد الصحيفة دورها المعارض المميز
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3133 - الثلثاء 05 أبريل 2011م الموافق 02 جمادى الأولى 1432هـ