انشغلت الصحافة البريطانية في الأسبوعين الأخيرين بفضيحة نفقات مجلس النواب، بعدما فجّرت صحيفة الـ «ديلي تيليغراف» قضية مطالبة ثمانية منهم لصيانة أحواض السباحة في منازلهم المقدّسة!
الصحيفة نشرت تفاصيل مطالبات جميع النواب الـ 646 في البرلمان من العمال والمحافظين خلال السنوات الماضية، وهو ما دفع رئيس الوزراء الحزين جوردون براون للاعتذار نيابة عن كل الأحزاب السياسية بالجملة!
الديلي تيليغراف لم تخترع القصص، وإنما اعتمدت على فواتير مسرّبة لكشف «أكثر المطالبات تبذيرا» لوضع الرأي العام في الصورة، وخصوصا بعد أن ردّ بعضهم أن معلوماتها «غير دقيقة»، فيما جادل آخرون أنها مخصصات يُعمل بها في كل برلمانات العالم! فأحد النواب طالب بـ 14500 جنيه لمدبّرة منزله، وطالب نائب ثانٍ بـ12 ألف جنيه لأعمال البستنة، وطالب ثالث بـ 380 جنيها للحصول على سماد ومخصبات زراعية، ورابعٌ بطعامٍ لكلبه الوفي، أما الخامس فطالب بثمن إصلاح مصباح كهربائي!
«الاندبندنت» تحدّثت في صفحتها الأولى عن «خزي البرلمان» و»تهيب النواب من مدى تقزز الناخبين منهم»، فيما أخذت الصحف تجلدهم بتعليقاتها، وتقارن بين الجشِع الذي قبض أكثر والقنوع الذي لم يطلب إلا الحد الأدنى. وكان من الطبيعي أن تستحوذ الحملة على اهتمام الرأي العام، باعتبارها نفقات تسحب من جيب المواطن الذي يواجه أوضاعا مالية صعبة بسبب الأزمة العالمية.
صحيفة «الجارديان» تناولت الموضوع بعنوان «بيت العار»، ونقلت عن شابةٍ بريطانية قولها «إن من العار أن يطالب وزير النقل بتعويضات سكن، وبينما يعاني الناس لتأمين مصاريفهم، تدفع الحكومة حتى قيمة مشترياته من البقال من أموال الشعب».
الخضّة التي أصابت النظام السياسي برمته ليست سهلة، فرئيس الوزراء براون حين حاول التذاكي بالقول ان «على السياسيين مسئولية خدمة الجمهور»، ردّت عليه الصحافة بالقول إنك حصلت على مبلغ ستة آلاف جنيه مقابل تنظيف مسكنك! وحينما حاول زعيم المحافظين المعارض ديفيد كاميرون التفلسف والتلويح باتخاذ إجراءات تأديبية ضد من سرّب الفواتير، وحثّ زملاءه النواب على «إبداء الأسف»، أخرسته الصحافة بالقول: «أنت أيضا حاولت الحصول على عربةٍ لأحد أطفالك من أموال دافعي الضرائب»!
مصلحة الضرائب تقوم حاليا بالتدقيق في قضايا تلاعب، من بينها عدم دفع وزيرة الدولة للشئون الاجتماعية، الضريبة على بيع شقتها في لندن، ووزير العمل لبيعه منزله الثاني الذي كانت تصرف عليه الدولة. بل إن خمسة نواب لحزب الشين فين، (الجناح السياسي للجيش الجمهوري الايرلندي)، تلقوا نصف مليون جنيه كتعويضات عن سكنهم في لندن رغم عدم توليهم مهامهم كأعضاء بالبرلمان. فإغراء المال يسيل له لعاب الملكي والجمهوري، والرجعي والثوري على حد سواء!
رئيس المجلس في البداية خاطب النواب بأنه ليس كافيا اتباع القواعد، بل عليهم أن يفكّروا بـ «روح الحقيقة»، عندما يتقدّمون بمطالباتهم للقضم من المال العام! ولكن لعلمه بأنهم لن يستمعوا للموعظة حتى لو استشهد بالانجيل وخوفهم بعذاب الآخرة؛ ولتعالي الأصوات المنادية بتنحيه لمحاولاته الفاشلة عرقلة الكشف عن مصاريف النواب، اضطر للوقوف أمام مجلس العموم الثلثاء الماضي، وإعلان استقالته، معترفا بأن النواب «خذلوا الشعب البريطاني الكريم»!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2449 - الأربعاء 20 مايو 2009م الموافق 25 جمادى الأولى 1430هـ