النِّعَم هي ليست المال والصّحة فقط. فالأمن نِعمة والمحبّة نِعمة والتعايش نِعمة والذاكرة السليمة أيضاً نِعمة وهي حديث هذه المقالة اليوم. فبلدٌ كالبحرين تغبطه مجتمعات كثيرة لماذا؟ لأن اجتماعها لم تصنعه صراعات داخلية أدَّت إلى فرز اجتماعي مصنوع بالقوّة؛ وإنما قائم على عقد إنساني افتقدته العديد من الدول سواء في المحيط العربي أو الغربي بالسَّواء.
هذا العقد الاجتماعي المتماسك سمح بأن ينبني جزء من كَسْب الناس ومهنهم عليه. فحين كان الغاصة يذهبون إلى البحر شهوراً عديدة لصيد اللؤلؤ كانت عوائلهم وأبناؤهم في كنف جيرانهم ومعارفهم، يُعِيلونهم ويذودون عنهم وكأنهم جزءاً من عوائلهم. وعندما كانت القرى والمدن مفتوحة جغرافياً على بعضها فإن ذلك كان مدعاة للتقارب والتزاوج والانصهار في نظام المصالح المعقد.
هذه هي الذاكرة التي يغبطنا عليها الآخرون، والتي يتوجّب علينا استذكارها كلّ حين حتى نعرف أننا فعلاً في نعمة اجتماعية لا تضاهيها نعمة أخرى.
عندما يتذكر الأوروبيون معاهدة العام 1529م فإنهم يتذكرون معها الهدنة التي رافقت الحرب الدموية ضد الكانتونات الكاثوليكية في سويسرا والتي سال فيها من الدَّم ما لطَّخ الشوارع والأرصفة والبيوت الداكنة. ولكن وعندما يتذكر البحرينيون عاماً من أعوام ذاكرتهم المجيدة (1939 مثالاً) فإنهم يتذكرون معه تأسيس نادي العروبة والنادي الأهلي وممارسات نبذ الطائفية والطبقية والإمساك بالوطنية عبر مشروعات سياسية وثقافية متقدمة جداً كالذي حصل في الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرف.
وعندما يتذكر الأوروبيون العام 1532م فإنهم يتذكرون حتماً الحرب الدموية التي اندلعت بالقرب من كابيل المتاخِم لكانتونَي زوغ وزوريخ الأمر الذي أدّى إلى القضاء على البروتستانت ومصرع المصلح التبشيري زفنغلي. لكن وفي الجهة المقابلة عندما يتذكر البحرينيون العام 1953م يتذكرون معها نهضة الشباب من عبد العزيز الشملان إلى يوسف الساعي وعبد الله الزين الذين دافعوا عن وحدة الناس بشيعتهم وسُنَّتِهم وقضاياهم سواء الضريبية أو المعيشية أو السياسية، وتمكنوا من ترسيخ الوطنية على حساب الطائفية المقيتة التي أراد المستعمر البريطاني أن يُسعّرها بين مكونات الشعب البحريني.
عندما يتذكر الأوروبيون الوضع في غلاريس في العام 1564م والوضع في أبنزيل في العام 1567م فإنهم يتذكرون التقسيم الإثني والطائفي المقيت والعنيف الذي رافق تثنيتهما إلى كاثوليك وبروتستانت والذبح الذي جرى فيهما على الانتماء في الطرقات والأزقة. لكن وعندما يتذكر البحرينيون العام 1936م يذكرون معها تأسيس نادي البحرين على أيدي ثلَّة من شباب الطائفة السُّنَّية الكريمة ومعهم شبابٌ من الطائفة الشِيعَية الكريمة، يرفدهم في ذلك التوزيع الديمغرافي الراقي والوثيق بين الطائفتين في جزيرة المحرق والذي لا يزال بناؤه حاضراً إلى اليوم رغم الأزمات.
عندما يتذكر الأوروبيون العام 1559م فإنهم يتذكرون معها نبش جثة الأناباتيسي دايفد جوريس وإحراقها علناً من قِبَل الدمويين من متطرفي المسيحية. لكن وعندما يتذكر البحرينيون وقيعة الخمسينيات فإنهم يتذكرون معها دفاع السُّنّة والشِّيعة عن عبد الرحمن الباكر بعد معركة صندوق التعويضات، وتحويل الفخ الطائفي إلى منظومة عمل وطنية صارت نموذجاً يُحتدَى به في منطقة الخليج، بل وكوَّنت لدى المستعمر البريطاني ومستشاره في البحرين فكرة على أنه التكوين الاجتماعي في البحرين أكثر من متماسك، فكتبوا فيه الكثير من المذكرات الخاصّة والسريّة إلى حكومة بريطانيا العظمى آنذاك.
بين هاتَيْن الذاكرتيْن (البائسة والناصعة) على البحرينيين أن يُدركوا أنهم «اجتماعياً» أفضل من الكثير من البلدان التي أصبحت اليوم دولاً عظمى. وبالتالي فعليهم عدم التفريط في هذا النهج، عليهم أن يواصلوا المضي في ترسيخ تلك الذاكرة التي ملؤها التعايش بمزيد من اللحمة الاجتماعية. بل عليهم أن يُبقوا الأمر مرتبطٌ بالتحدي في أن لا تتلوّث تلك الذاكرة ولا ذلك التاريخ العظيم بزلات الأزمات العارضة التي سيُذهبها الزمن والحلول السياسية.
الذاكرة الممتدة منذ سنة 2300 ق. م. حين استوطنت البحرين ومن ثم ارتباطها بالحضارة السومريّة والبابلية والأغريق وثم ارتباطها بالحقب السابقة حيث الإسلام ثم السنوات التي أعقبت القرن الثامن الميلادي وإلى اليوم هي أمانة في أعناق الجميع. فهي بمثابة الإرث القِيمي الذي يُضرَب به المثل بين الأقوام والشعوب والدول الأخرى، وهو ما يزيد من قدسية هذه الذاكرة وضرورات الرعاية الخاصة بها، سواء عبر الاستحضار أو عبر عدم تلويثها بأحداث لا تتناسب معها ولا مع هذا الشعب ومكوناته
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3132 - الإثنين 04 أبريل 2011م الموافق 01 جمادى الأولى 1432هـ
البحرين بلد المحبة
ستبقى البحرين واحة الحب والسلام، واحة الإخوة والألفة
حبايب و سيبقون كذلك
من له اصدقاء من السنة و الشيعة مازالوا و سيبقون باذن الله حبايب مهما اشتدت محاولات التفريق بينهم .
الصديق السني و الشيعي لا يتذكرون عن بعض الا كل الخير من الذكريات و الفزعة حين الحاجة لانهم بحرينيون اصلاء ضرب بهم المثل في الطيبة .
لا يتصور الصديق الشيعي و السني ان تمتد يدهم تجاه بعضهم بغية الاضرار لانهم بحرينيون اصلاء رضعوا الطيبة و علموها للاخرين .