حسنا فعلت الحكومة عندما أرسلت قبل أربعة أيام (الأحد الماضي) قانون رواتب الوزراء إلى السلطة التشريعية، بعد أن ظل الوزراء يستلمون مخصصاتهم دون سند قانوني منذ استقلال البلاد في 14 أغسطس/ آب 1971 وحتى اللحظة، وحسنا فعلت الحكومة حينما التزمت - ولو متأخرا - بالدستور الذي ينص في مادته رقم 45/ ب على أن «القانون يعيّن مرتبات رئيس مجلس الوزراء والوزراء».
لن نتحدث كثيرا عن رواتب الوزراء طوال الفترة الماضية، لكننا سنتحدث عن القانون الحالي الذي تريد الحكومة تمريره على السلطة التشريعية، والذي لا نعلم سبب إصرار الحكومة على إحالته للنواب مع تعديلين آخرين على أحكام المرسوم بقانون رقم (15) لسنة 2002 وأحدهما مرتبط بزيادة مكافآت النواب والشوريين بما لا يقل عن 25 في المئة، والثاني متعلق بتقاعدهم بعد سنوات «الخدمة» الأربع أو الثمان في السلطة التشريعية.
حقيقة لا نعلم يقينا ما الحكمة التي أرادتها الحكومة - وهي التي عودتنا دائما على أنها لا تقوم بأي شيء إلا وفق حسابات مقصودة - لا نعلم حقا ما الغاية من ربطها رفع قانون مرتبات الوزراء مع عدد من التعديلات على «مكافآت» النواب وتقاعدهم، ورغم أنه لا يحق لنا الوغول في النوايا، لكن هذا الاقتران يبعث على الاستغراب والتعجب لأنه لا رابط بين الجهتين إلا ما قد يفهم من المثل الشعبي «شيلني وأشيلك»، ولعلي أستشهد هنا بما حصل قبل أسبوعين عندما اعترض النواب عند مناقشتهم لقانون السلك الدبلوماسي على إعطاء الدبلوماسيين وأهاليهم «تأمينا صحيا» حينما يكونون داخل البلاد، فما كان من النائب عادل العسومي إلا أن قال لهم وعلى الملأ «أنتم تحصلون على التأمين الصحي... لا يكون حلال عليكم حرام عليهم ؟!»، وبالفعل فقد صمت المعارضون وتم تمرير التأمين الصحي للدبلوماسيين.
لست أعلم حقيقة إن كان هذا المثال ينطبق تماما على الحالة التي نحن بصدد الحديث عنها، لكن إصرار الحكومة على إحالة رواتب الوزراء ومكافآت النواب يجعلنا نورد هذه المقاربات.
الأمر الثاني في الموضوع، إن الحكومة في الوقت الذي أعلنت مرارا أنها ستشد «الأحزمة» تحسبا لسنواتٍ عجاف تمر بها المنطقة بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية ووصل الحد بها للإعلان جهارا نهارا أنها لن تسمح بتوظيف أكثر من 1000 شخص في القطاع العام، وستقلل الساعات الإضافية لموظفي الدولة، وفي الوقت الذي تشهد فيه موازنة المشاريع عجزا واضحا وعلى رأسها المشاريع الإسكانية (600 مليون) والطرق (109 ملايين)، في غمرة كل هذه الأمور، يتم رفع رواتب الوزراء 100 في المئة، فبدلا من نحو 3500 دينار ينالها الوزير حاليا، فقد أقرّ له القانون الجديد راتبا بنحو 7000 دينار، بالإضافة إلى علاوات أخرى، أرقامها تحتوي على أكثر من خانتين، ومن جانب آخر زادت رواتب النواب - من تلقاء نفسها - أكثر من 25 في المئة وخوّلت رئيس المجلس أن يقر العلاوات التي سيحصل عليها النواب بخلاف المكافآة التي زيدت.
لا أحد يختلف من أن الوزراء «يستاهلون» زيادة رواتبهم، لكننا نستغرب هذا الكرم الحكومي غير المعهود، بإقرار زيادة 100 في المئة في الوقت الذي لم يحظ فيه المواطنون - وهم أيضا «يستاهلون» - إلا على زيادات لم تصل حتى إلى 15 في المئة من رواتبهم، فإذا كانت الحكومة تستند في زيادتها المذكورة على حجة دعم الكفاءات الوطنية لقبول التوزير، فإننا نطالبها بتطبيق ذات الزيادة على باقي الوظائف في الدولة لأن الحجة متحققة على الطبيب والمعلم والمهندس والممرض... وغيرهم.
إننا لا نرضى في الوقت الذي تقوم فيه الحكومة بشد الأحزمة على البسطاء أن تفرش بساطا أحمريا للوزراء ليحصلوا على زيادات بضعف رواتبهم، فإذا كانت هناك أزمة اقتصادية يعيشها البلد، فيجب على علية القوم أن يحسوا بها قبل البسطاء الكادحين، أما أن تكون المعادلة مقلوبة، فتقيم الحكومة الدنيا ولا تقعدها من أجل 50 دينارا وتضع شروطا لعصر المنتفعين من علاوة الغلاء عصرا لتوفر مليونا أو حتى خمسة، بينما تجزل العطاء وبالملايين على الوزراء وعلى النواب والشوريين الذين لم يطلبوا هذه الزيادات أصلا، فيما تصم الآذان عن عشرات المطالبات برفع وتعديل رواتب جهات مختلفة في عدد من الوزارات، فذلك أمر لا يليق بحكومة وطنية في هذه الظروف الاقتصادية التي تقول هي عنها إنها «صعبة».
أضف إلى كل ذلك أن قانون رواتب الوزراء أغفل الحديث عن تنظيم التقاعد الخاص بهم، وبمعنى أوضح فإننا اليوم نعرف أن هناك من الوزراء من استمر في منصبه أشهرا قلائل، وأقيل من منصبه لكنه يستلم راتبا تقاعديا مدى عمره، وتتحمل خزانة الدولة والتي هي في الأصل أموال الشعب هذه النفقات، وهو أمر لا يقره العقل والمنطق ولا الشرع.
نحن نريد للنواب حين مناقشتهم قانون مرتبات الوزراء أن يؤكدوا على هذه القضية، فإما أن يقنن تقاعد الوزراء وإما أن يعمم نظام تقاعد الوزراء الحالي على كل من يعمل بالقطاع الحكومي إعمالا لمبدأ العدالة بين المواطنين، كما أننا نقول للنواب إذا كان «التقاعد» حقا لكم ولسنا مختلفين عليه، فإننا نرجو منكم أن تأجلوا الزيادات التي وضعتها الحكومة في مكافآتكم - ليس من منطق عدم استحقاقكم لها - بل لأنه لا المواطن والاقتصاد يتحملان أن تنالوا هذه الزيادات في الوقت الذي لا يزال مؤشر رواتب المواطنين يهبط إلى الأسفل.
إقرأ أيضا لـ "حسن المدحوب"العدد 2449 - الأربعاء 20 مايو 2009م الموافق 25 جمادى الأولى 1430هـ